ما دار في «كامب ديفيد» بين أوباما وزعماء الدول الخليجية لم يكن سرا، وقد دار على لسان كل القنوات العالمية والمحلية، وكالعادة تضاربت الأخبار حوله حتى اختلط الحابل بالنابل، وخنق المذيع الضيف المقابل، وبما أنني لم أعد أثق بأي قناة ولو كانت قناة السويس، فقد فوضت أمري إلى الله، ودخلت الانترنت من أوسع موجاته، حتى وجدت نفسي في صفحة البيت الأبيض أقرأ البيان الختامي لمؤتمر «كامب ديفيد» دون رقيب ولا وسيط. وعلى مسؤوليتي إليكم جوهر فحوى ما ورد في البيان الختامي لكامب ديفيد على لسان البيت الأبيض: كانت لغة البيان عامة، وكلها خطوط عريضة عن مشاكل الشرق الأوسط التي حدثت من عهد موسى والقضية الفلسطينية مرورا بسورية فليبيا فالعراق إلى أن انتهى بقضية اليمن والمخاطر المحتملة. وقد شدد البيان – مشكوراً- على خطر القاعدة في الجزيرة العربية وكأنها خرجت اليوم. وللأمانة فإن كاتب البيان - جزاه الله ألف خير - لم يدخر جهداً وهو يحث الدول الخليجية على وجوب مراعاة حسن الجوار مع إيران، حتى كأنه سيورثها! ثم ينثال من البيان شعور نبيل وهو يدعو لضرورة مساعدة العراق في حربه مع «داعش». وقد لمست من البيان قدر الرعب الذي يعانيه الأميركيون بسبب «داعش»، و«النصرة» و«القاعدة»، فهذه المنظمات تتكرر مع كل فقرة جديدة، بينما لم أجد أي إشارة إلى «حزب الله» أو الحشد الشيعي أو الحوثيين، اللهم إلا في فقرة واحدة قال فيها البيان: إنهم يتفقون مع الخليجيين في ضرورة منع وصول أي تعزيزات إلى الحوثيين من حلفائهم ولم يحدد من هم هؤلاء الحلفاء! أما بالنسبة لعاصفة الحزم فقد استخدم البيان أسلوباً لغوياً مخادعاً، فهو لم ينتقدها ولم يصفق لها، بل قال بنص العبارة «وبالنسبة لعاصفة الحزم، فإن الدول الخليجية ستتشاور مع الولايات المتحدة عندما تخطط لمهمة عسكرية خارج حدودها، خصوصا عندما تكون المساعدة الأميركية مطلوبة في هذه الحالة». وبالطبع البيان لا يخفي حرصه على مساندة الدول الخليجية في حالة تعرضها لأي عدوان خارجي ويستشهد بالغزو العراقي للكويت كنموذج لما يجب أن يكون عليه الخطر. ولا يخلو البيان من التواضع الجميل فهو لا يخفي قلق الأميركيين والعالم كله من مخاطر النووي الإيراني، وكأنه يقول للخليجيين (لا تشكي لي أبكي لك). أما ما يمكن أن نستشفه أو نفهمه من البيان فهو، أن المصالح الأميركية في المنطقة متغيرة، وأن الأميركيين يرون أن الخطر في التطرف السني وليس في التطرف الشيعي، والأميركيون يقدرون الصداقة والتحالف مع دول الخليج ولكن في حدود مصالحهم السياسية في المنطقة، وليس في كل شيء، ولذا توحي صيغة البيان أن الخليجيين بالفعل شنوا حرب عاصفة الصحراء دون الرجوع أو مشورة الأميركيين. وعموما يبدو واضحا أن السياسة الأميركية اليوم منسجمة تماما مع السياسة الإيرانية في العراق وفي سورية، و أن الأميركيين لا يهمهم أمر التمدد الإيراني في اليمن، ولا يرون الحوثيين خطرا، وعلى العكس يرون «القاعدة» هي الخطر الأساسي، وهم في الواقع هم محرجون ويتمنون أن تنتهي عاصفة الحزم بأسرع وقت ممكن، لأنها تجعلهم في موقف صعب ومتناقض مع حلفائها الجدد. وباختصار فإن ما يمكن أن ننتهي إليه من البيان، هو أن الأميركيين لم يعودوا يعتبرون الإيرانيين خطراً على المنطقة بل ربما يعتبرونهم حلفاء فاعلين للسيطرة عليها، هذا ما أفقد الإسرائيليون صوابهم! Fheadpost@gmail.com
مشاركة :