دفء الطاقة يذيب جليد العلاقات التركية - اليونانية

  • 5/21/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

رغم أن زيارة وزير الخارجية اليوناني الجديد، نيكوس كوتزياس، لتركيا يومي 11و12 مايو/ أيار لم تكن الأولى على هذا المستوى بين البلدين، فإنها جذبت اهتماماً واسعاً من جانب المراقبين والسياسيين نظراً للدفء الذي صاحبها وتبني لغة أكثر تصالحية فيما يتعلق بالقضايا الخلافية بينهما، في ضوء تأكيد الجانبين استعدادهما لاستئناف المفاوضات حول قبرص، وتعزيز التعاون في منطقة بحر إيجه الذي طالما كان مثاراً للتوتر بينهما . يعتبر الخلاف التركي - اليوناني من الخلافات التاريخية ممتدة الجذور ومتعددة الأبعاد، ومن المعروف أن اليونان كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، وثار اليونانيون على الأتراك من أجل الاستقلال منذ قرنين من الزمان، في عشرينات القرن التاسع عشر . وقد ظل التوتر بين الجانبين هو السمة المميزة للعلاقة بينهما، رغم استقلال اليونان وزوال الإمبراطورية العثمانية، وتمحور الخلاف حول مدى واسع من القضايا أبرزها القضية القبرصية، تلك الجزيرة التي انقسمت بفعل تدخل تركي عسكري عام 1974 إلى قسم جنوبي أغلبه يونانيون وآخر شمالي يمثل ثلث مساحة الجزيرة أغلبه أتراك ظهرت لهم فيه دولة عام 1975 وأعلن عنها رسمياً عام ،1983 لكنها لا تحظى إلا باعتراف تركيا فقط، بينما تحظى قبرص اليونانية باعتراف المجتمع الدولي كله وهي عضو في الاتحاد الأوروبي . وعقب وصول "حزب العدالة والتنمية" إلى السلطة في تركيا وإعلان أحمد داوود أوغلو، وزير الخارجية التركي، استراتيجية تركيا التي لخصها بعبارة "صفر مشاكل" مع الدول التي لها خلافات مع أنقرة، كان من المفترض أن تدخل الدبلوماسية التركية مرحلة جديدة تتسم بإنهاء المشاكل الإقليمية، والانتقال إلى تحسين علاقات تركيا بدول الجوار، وفي مقدمتها اليونان، خاصة أن تحسن العلاقات بين البلدين يعد شرطاً ضرورياً لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي . وفي هذا السياق رحبت تركيا بخطة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان لتوحيد قبرص عام ،2004 والتي فشلت نتيجة رفض القبارصة اليونانيين لها بنسبة 75%، في حين وافق عليها القبارصة الأتراك بنسبة 65% . كما أن مفاوضات السلام التي تدعمها الأمم المتحدة بهدف تشكيل اتحاد فيدرالي بين قبرص التركية وقبرص اليونانية توقفت في مارس/ آذار 2011 بسبب الإخفاق في الاتفاق بشأن قضايا مثل تقاسم السلطة وحقوق الممتلكات والأراضي وغيرها . وخلال زيارة وزير الخارجية اليوناني الجديد لتركيا، أكد الجانبان استعدادهما لاستئناف المفاوضات حول قبرص في 15 مايو الجاري، استناداً إلى الإعلان المشترك الذي صدر بتاريخ 11 فبراير/ شباط 2014 والتوصل إلى حل دائم للقضية القبرصية . وكانت جهود التوصل إلى حل للقضية القبرصية قد تسارعت في الأعوام القليلة الماضية لأسباب يعود بعضها إلى اكتشاف حقول غاز قبالة سواحل الجزيرة، ما قد يعود بالفائدة على الطرفين . لكن لا تزال هناك قضايا شائكة عالقة مثل صلاحيات الحكومة المركزية على الأراضي القبرصية التركية واليونانية والحكم الذاتي الذي سيتمتع به الطرفان . كما أكد البلدان استعدادهما تعزيز التعاون في منطقة بحر إيجه، حيث ناقش الجانبان إجراءات بناء الثقة التي يمكن اتخاذها لتجنب النتائج غير المرغوب بها جراء النشاط العسكري في بحر إيجه، واتفقا على سلسلة من الإجراءات لزيادة الأمن في البحر . ويعتبر النزاع حول السيادة على بحر إيجه الذي يفصل بين البلدين أحد أهم النزاعات بينهما، حيث تزعم كل منهما سيادتها عليه ولم يتم ترسيم المجالين البحري والجوي في البحر، ولم تنجح أي من البلدين في حسم السيادة على عدد من جزر الأرخبيل الواقع بينهما خاصة بعد الإعلان عن احتوائه على مخزون نفطي . وفي مشهد غير عادي على هامش اجتماع حلف شمال الأطلسي في مدينة أنطاليا التركية، التي تعتبر تركيا واليونان من أقدم أعضائه، شبك وزيرا خارجية البلدين يديهما، خلال حفلة عشاء يوم 14 مايو، وأديا سوياً أغنية (We are the world) التي حققت نجاحاً كبيراً في الثمانينات، كما أظهرت تسجيلات انتشرت على الإنترنت . والواقع أن هناك مدى واسعاً من المشروعات المهمة تمثل رابطاً عضوياً بين البلدين وتجبرهما على التعاون وتنحية الخلافات جانباً، ودفعتهما إلى تشكيل مجلس التعاون الأعلى بين حكومات البلدين عام 2010 لأول مرة في تاريخ العلاقات بينهما، منها مشروع خط السكة الحديدية السريع الذي سيربط بين إسطنبول وسالونيك، ومشروع كوبري آخر سوف يربط بين تركيا واليونان، هذا فضلاً عن المشروعات السياحية المشتركة بينهما . إلا أن أبرز تلك المشروعات وأهمها على الإطلاق، والتي ساعدت حقاً على التقريب بين البلدين وتجاوز الخلافات المتجذرة بينهما هي تلك المتعلقة بقطاع الطاقة وخطوط الأنابيب، ومنها اتفاقية خط الغاز الطبيعي عبر الأناضول (TANAP) الذي يحمل الغاز الطبيعي من حقل شاه دينيز في أذربيجان إلى إيطاليا في خط أنابيب طوله 3500 كيلومتر يمر عبر جورجيا وتركيا واليونان، ما سيوفر بديلاً للغاز الروسي . ومن المتوقع أن يبدأ التدفق الأول للغاز عبر الأنبوب بحلول ،2018 ليصل إلى 31 مليار متر مكعب في عام ،2026 وسوف يرتبط (TANAP) مع خط الأنابيب عبر البحر الأدرياتيكي (TAP) عند اكتمال بنائه بحلول عام ،2020 الذي سينقل الغاز من أذربيجان عبر اليونان ومنها إلى ألبانيا والبحر الأدرياتيكي ثم إلى إيطاليا ومنها إلى دول غرب أوروبا . وتمتلك تركيا حصة 30% في (TANAP)، وتمتلك أذربيجان 58%، أما النسبة المتبقية 12% فتمتلكها شركة بريتيش بتروليوم . كذلك مشروع خط أنابيب "بوسيدون" الذي يعتبر جزءاً من مشروع سيل ITGI لنقل الغاز الطبيعي من بحر قزوين والشرق الأوسط عبر تركيا واليونان إلى إيطاليا وبقية الدول الأوروبية، وهو مشروع يدعمه الاتحاد الأوروبي ويحظى باهتمام واضح من جانبه . وعقب العقوبات المفروضة على روسيا من جانب الاتحاد الأوروبي وعلى الشركات الروسية العاملة في مجال الطاقة، واضطرار موسكو إلى تجميد مشروعها الواعد "السيل الجنوبي" نتيجة الضغوط الأوروبية الشديدة مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والذي كان ينبغي أن يمر تحت البحر الأسود وعبر بلغاريا لتوريد الغاز إلى جمهوريات البلقان والمجر والنمسا وإيطاليا . طرحت روسيا مشروعها الضخم "السيل التركي" Turkstream، واتفقت مع كل من اليونان وتركيا على مد خط أنابيب لنقل الغاز الروسي إلى دول أوروبا عبر قاع البحر الأسود إلى تركيا، مروراً بالأراضي اليونانية . وذلك للاستغناء عن توريدات الغاز عبر أوكرانيا، والتي يمر بها نحو 40% من صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا، وهو ما تعمل موسكو على تقليصه، ولا تنوي موسكو تجديد عقد نقل الغاز مع أوكرانيا الذي تم توقيعه عام 2009 بعد انتهائه في ،2019 ويبلغ طول خط "السيل التركي" نحو 1100 كم، وسينقل نحو 47 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً حتى الحدود التركية اليونانية . ووقعت شركة "غازبروم" الروسية والشركة التركية "بوتاس" في الأول من ديسمبر 2014 مذكرة تفاهم حول بناء الخط ومن المقرر بدء توريد الغاز به إلى تركيا في ديسمبر 2016 . ومن المقرر أن يعود مشروع "السيل التركي" على كل من اليونان وتركيا بعوائد مالية كبيرة، وسيعزز وضع تركيا كمركز عالمي لتوزيع الطاقة ويسهم في سد احتياجاتها من الغاز الطبيعي . من ناحية أخرى، تقدر تكلفة بناء الجزء اليوناني من خط أنابيب الغاز بنحو ملياري يورو، وسيمتد من الحدود اليونانية التركية إلى الحدود اليونانية مع جمهورية مقدونيا . وأكد رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس احتمال حصول بلاده على دفعة مسبقة من روسيا تصل إلى 3 مليارات يورو في حال إبرام عقد معها بشأن بناء خط أنابيب "السيل التركي" في اليونان تسددها أثينا من العائدات المستقبلية لترانزيت الغاز عبر أراضيها إلى أوروبا . كما سيتم تشييد مركز للطاقة في اليونان، وسيتم أيضاً خفض أسعار موارد الطاقة لأثينا جراء مشاركتها في المشروع . ويفسر هذا مضي تركيا واليونان قدماً في المشروع رغم المعارضة الأمريكية له حيث أعلن المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الطاقة آموس خوكستاين صراحة عن رفض الولايات المتحدة تمرير أنبوب جديد بدل "السيل الجنوبي" لتوريد الغاز الروسي إلى أوروبا . وعممت السفارة الأمريكية في أثينا في وقت سابق بياناً تضمن قلق الولايات المتحدة من مشاركة اليونان في أنبوب عبرها كونه "سيسبب قلقاً للسلطات المختصة في الاتحاد الأوروبي ولن يكون حلاً طويل الأجل لتلبية احتياجات الطاقة في اليونان"، حسب رأيها . إن دفء أنابيب الطاقة وما تحمله من عوائد مادية مباشرة أنهت برودة العلاقات بين تركيا واليونان، وأكدت أن لغة المصالح يمكنها تجاوز الخلافات مهما كان عمقها وتعقدها .

مشاركة :