سمو رئيس الوزراء الشيخ صباح الخالد المحترمتحية طيبة وبعدخاطبناكم عند التّكليف وها نحن نخاطبكم عند التّأليف، من باب صديقك من صدقك لا من صدّقك، واستمرار النّصيحة من عناصر الإعانة وفي جوهر الشريعة السمحة، ونعرف (ومن يعرفك يعرف) أنك طالب نصيحة ومؤمن بـ«ما خاب من استشار».في الرسالة الأولى نقلنا لكم بعض هواجس الكويتيين لتلافي ثغرات العمل الحكومي وعثراته. اليوم تشكّلت الحكومة بتوفيق في المظهر العام وحسن قرار في الاختيار وتوزيع حقائب ودمج بعضها. لن نرفع الدفوف للتّهليل والتّطبيل كما سيفعل كثيرون، ولن نفتح نار الانتقادات «عالفاضي والمليان» كما سيفعل كثيرون، لكننا سنعين بأن نكون كسلطة رابعة عيناً إضافية ترصد الأداء وتقيّمه وتكشف المخالفات وتطالب بوقفها ومحاسبة المتسبّب بها.في المظهر العام، يسجّل لسمو الرئيس إدخاله ثلاث وزيرات إلى الحكومة الجديدة، وهو الحريص على مواكبة العصر باستثمار طاقات نصف المجتمع في الإطار الصحيح. والكويت مثلما كانت رائدة التقدّم في مختلف المجالات، تحاول أن تستعيد هذه الريادة في زمن المساواة والشراكة بين الجنسين. ومن أوضح الإيجابيات إدخال عناصر كانت تملأ المنابر والمحافل بنقد محترم لتجربة السلطة في الكويت والكثير من المفاهيم الاجتماعية. هنا الميدان الآن فتفضّلي وزملاءك، طبّقي في السلطة ما كنت تحتجّين عليه خارجها.ويسجّل لسمو الرئيس تعامله المختلف في موضوع وزارات السيادة، فلم يلتزم بالنمط السابق، وسلّم إحداها إلى وزير من خارج الأسرة، كما أن تعيين اثنين شباب من داخل الأسرة في وزارتي الدفاع والخارجية يفتح باب الأمل بتأهيل نهج جديد في الإدارة.ويسجّل لسمو الرئيس أنه لم يختر وزراء على أساس المحاصصة الحزبية لإرضاء هذه الحركة أو ذاك التيار أو بعض التحالفات. وهذا يعني أنه يريد أن تكون حصانة الوزير عمله لا تياره أو بيئته السياسيّة والقبليّة والمناطقيّة.ويسجّل أيضاً له إدخال وزراء مختصين لتولّي حقائب بعينها على أساس أن أهل مكة أدرى بشعابها.وبعيداً من الشكل، قريباً من المضمون، نتمنى من سمو الرئيس أن يسنّ سنناً جديدة في العمل الحكومي. أولها، أن التضامن الوزاري لا يعني التضامن مع المخطئ والمقصّر والمخالف. وثانيها، أن مجلس الوزراء ليس حزباً يحشد عصبية على مستوى الطاقات والإدارات في مواجهة «حزب» آخر اسمه مجلس الأمة، فالحكومة سلطة والمجلس سلطة، والتشابك في السلطات يعني وضع العصي في الدواليب وشلل المسير. وثالثها، ألا تترك الوزير فريسة للابتزاز من النواب، وألّا (وهو الأهم) تترك محاسبة الوزير المقصّر لمجلس الأمة. ولتكن في الكويت سابقة أن رئيس الوزراء رصد عمل وزير في الحكومة فوجد مجموعة أخطاء وضعف قدرات فأقاله حرصاً على حسن سير العمل. ورابعها، ألا ينغمس الوزير لحماية منصبه في أوراق «اللا مانع» النيابيّة، وأن تكون عينه على تقييم التاريخ لا على صراخ فلان وابتزاز فلان. الزّمن تغيّر والأمور صارت مكشوفة للجميع، وليس مطلوباً من الوزير إلّا الالتزام بالقانون وبقسمه والمساواة في المعاملة وتطوير الإدارة التي يتولّى مسؤوليتها، وإن وجد أنّه سيلقي بقسمه وخبرته وسمعته في سلال الصّفقات والابتزاز والاستفادات الشخصيّة، فترك العمل الحكومي يحفظ كرامته وتاريخه.وخامسها، هو الإنصات الدائم لما يريده الشارع الكويتي، إنما من الخطورة بمكان أن يتحكّم الشارع بالسلطة التنفيذيّة بدل أن تتحكّم السلطة التنفيذيّة بالشارع. مطالب الناس أوجب الواجبات بالنسبة إلى الحكومة، لكن آليات اتخاذ القرار لها متطلباتها ومقوّماتها ورؤيتها وهذه العناصر لا تتوفّر في «الشعبوية» الموجودة طبيعياً في أيّ حركة للشارع. ومن ذلك مثلاً بعض المطالبات المالية والنقدية المفهومة دوافعها بالنسبة إلى كثيرين، إنما معايير الاقتصاد والوضع المالي والاستقرار الطويل الأمد لا تستقيم نهائياً مع هذه المطالب.وسادسها، ألا يتم خلط الأمور في موضوع محاربة الفساد. نعم، نريدكم سيفاً يعمل ليل نهار على اجتثاث هذه الظاهرة المستشرية والضاربة في أعماق الإدارات. لكن الاندفاع في اتجاه واحد يجعل الحرب خاسرة. والسبب أن الفساد نتاج ظاهرة وليس سبباً، وإذا عولجت هذه الظاهرة يمكن القول إننا تقدّمنا في معركة محاصرة الفساد. هذه الظاهرة اسمها سوء الإدارة وتخلّفها. بتبسيط شديد، مواطن لديه معاملة يفترض عبر حقوقه القانونية أن تنتهي في أقل من يومين، وعندما تأخذ شهراً لإنجازها، يضطر إلى دفع رشوة لتطبيق القانون وإنجازها بيومين. لذلك فإلزام الوزراء العمل ليل نهار بكفاءة وإنتاجية على تطبيق القانون، وتيسير أمور الناس، واختصار دورات العمل بالربط الآلي الحقيقي لا الاستعراضي الإعلامي، وإحداث «ثورة» في العمل الإداري على غرار الدول المحيطة بنا... كلها أولويات لوزراء يريدون ترك بصمة لا لوزراء يريدون وضع اسمهم ومنصبهم على نبذة حياتهم المهنيّة والشخصيّة.وسابعاً، واستناداً إلى النطق السامي الذي أمر الوزراء الجدد بالعمل دون الالتفات لأحد، نذكّركم فقط بأن «فوبيا» وسائل التواصل الاجتماعي ما زالت تسيطر على بعض الوزراء في حكومتكم العتيدة، ما يجعلهم أسرى الخوف من العمل والإنجاز، وأسرى شراء منصّات وهميّة في الكيان الافتراضي من أجل «التطبيل» لهم أو الدفاع عنهم أو محاربة وزراء آخرين بالواسطة. كلام صاحب السمو لم يجفّ بعد وهو أكبر دعم «فعلي» لعمل الوزراء الذين أدمن بعضهم الدّعم «الوهمي».... ودائماً، دائماً، الدين النصيحة. دمتم ووفقكم الله. «الراي»
مشاركة :