الكراسي الساخنة والمسؤولية وثقافة الوعود - فهد محمد السلمان

  • 5/21/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في الانتخابات البلدية الأولى التي جرت في عام 2005 م، قرأنا الأعاجيب في الدعايات الانتخابية للمرشحين، فهناك من وعد ناخبيه بفتح المدارس النموذجية، ومن وعدهم بتحويل الأحياء إلى حدائق غناء، ومن وعد ببناء الجسور والأنفاق، ومن وعد بتوفير أرقى خدمات النقل العام للمدن والمحافظات والقرى، ومن وعد بما يفوق ويتجاوز صلاحيات وزير البلديات نفسه، لكننا كمواطنين كنا على استعداد لتجاوز تلك الوعود الخلبية، وغض الطرف عن هزليتها على اعتبار أنها تجربة أولى، وعلى اعتبار نقص الثقافة الانتخابية، وعدم فهم الكثيرين لدور عضوية المجالس البلدية وفق لائحتها المعلنة، إلى جانب فهمنا أن الوعود في الأساس (عادة) عربية أصيلة، ليس عندنا فقط، وإنما في كافة البلدان العربية لمغازلة أحلام البسطاء ودغدغة أحلامهم باستخدامها كأدوات تمكين، و(بعدين).. لكل حادث حديث. في المقابل، كان كثير من الوزراء والمسؤولين أول ما يتم تنصيبهم يبدأون بإطلاق الوعود، حتى قبل أن يفتحوا ملفات وظائفهم، ويطلعون على ما فيها من العقبات والعوائق، على اعتبار أن الوعود هي تذاكر العبور إلى الممرات الآمنة لشراء الأوقات المستقطعة من الهدوء بعيداً عن النقد، ويخلق ما لا تعلمون، وهي طريقة أو آلية للاسترخاء داخل البشت، والتنعم ولو لبعض الوقت بامتيازات الموقع الوظيفي، دون وجود ما يعكر الصفو، كان هذا حينما كانت كراسي المسؤولية دافئة ووثيرة ومريحة، تشبه (الكرسي الهزاز)، وقبل أن تحولها نظرية الملك سلمان الحازمة في الإدارة إلى كراسي ساخنة منذ اليوم الأول. لهذا كنت أفترض أن أول ما سيفعله الوزراء الجدد، وبالأخص القادمون من القطاع الخاص، أن يتجنبوا الوعود، ويستعيضوا عنها بإعلان برامج عمل وقوائم مستهدفات، تتيح للشورى وللرأي العام فرصة متابعة أعمالهم بحيادية تامة، خاصة وأن الوعي العام قد شب عن الطوق، ولم يعد يرى في تلك الوعود إلا أنها أشبه ما تكون ببناء الكثير من الأسقف العالية، ولكن على أعمدة من دخان، لكن يبدو أن ثقافة الوعود لا تزال قائمة، ولا يزال (سرّها باتع)، وقد استمعتُ على سبيل المثال لمعالي الدكتور عزام الدخيل، وهو من أكثر المسؤولين الجدد حيوية وتفاعلاً "وعدين" على الأقل في غضون أيام، وعدٌ فيما أسماه معاليه بالجامعات الافتراضية، مع كل ما في التعليم العالي من ملفات ثقيلة ومتراكمة، وتعقيدات إجرائية لها أول وليس لها آخر، ووعدٌ آخر بإدخال الرياضة الجامعية للمنافسات (العالمية)، وهي التي تفتقر ولو لساحة ترابية صغيرة للتسلية بكرة التنس، لا للإعداد من خلالها للمشاركة في منافسات ويمبلدون، وهذه وعود ربما أحتاج للبحث في قواميس اللغة عن مفردة أعمق من مستحيلة لوصفها بها، في ضوء ما نعرفه عن واقع التعليم. وكنت أتمنى عوضاً عن الحديث عن مثل هذه الوعود التي لا أحد يعرف كيف يمكن أن تنجز، لو وقف كل مسؤول أمام كاميرات الإعلام بعد أن يكون قد قرأ ملفات وزارته، ليتلو برنامج عمله، وقائمة مستهدفاته، التي ترسم له وللمواطن خارطة الطريق التي سيعمل على ضوئها، وصولاً إلى تلك الأهداف، حتى لا يكون رهينة لوعود غير قابلة للتحقيق، خاصة وأن رفع أسقف الوعود غالباً ما يؤدي إلى عدم توازن الخطى، وبالتالي التعثر، وقطع الأنفاس. وأنا أطرح هذا الموضوع على أساس أن هؤلاء المسؤولين بالذات، الذين يستندون على ثقافة إدارية متحركة ومرنة، هم أقدر من غيرهم على تخليصنا من ثقافة الوعود، والشروع في تأسيس ثقافة جديدة، عبر نمط جديد في الإدارة، بعيداً عن البيروقراطية، يقوم على فكرة طرح برامج عمل علنية وواضحة وشفافة وواقعية، دون أي عملية نفخ بسيليكون الأوهام، أو التمويه بعناوين مطاطة، وهو ما لا يُلزمهم أمام الناس بأكثر مما يعلنوه، وما يُعيد الثقة التي طالما استنزفتها وعود الاستراتيجيات غير القابلة للتنفيذ.

مشاركة :