كيف نستفيد من ثقافة أرامكو - فهد السلمان

  • 5/9/2014
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

زرتُ أرامكو آخر مرة منذ بضعة أشهر لحضور محاضرة لصاحب الكتاب الشهير جداً "تاريخ القراءة" الأرجنتيني البرتو مانغويل تلميذ بورخيس، خلال برنامج إثراء المعرفة الذي نظمته الشركة آنذاك، حينها قلت لمرافقي ونحن نمر عبر البوابة: ما قبل هذا السور عالم، وما بداخله عالم آخر مختلف، وتذكرت مقالاً للوالد الكبير رحمه الله الأستاذ فهد العريفي بعنوان (أرامكو.. الجامعة الثامنة) حينما لم يكن لدينا سوى سبع جامعات. حيث ظلت هذه الشركة العملاقة رغم تعاقب السنين والإدارات تواصل بناء ثقافتها الخاصة في التطوير والإنجاز بشكل مدهش يعتمد على الكفاءة والإبداع، والعمل بأقصى درجات الإتقان. مجدداً.. أعادتني مناسبة افتتاح مدينة الملك عبدالله الرياضية بجدة أواخر الأسبوع الماضي، والتي نفذتها أرامكو بذات النفس، وذات الثقافة المهنية إلى ذلك الشعور الذي ظل يُلازمني كلما سمعتُ اسم هذه الشركة، والذي يُشبه هيبة ووقار إقلاع طائرة عملاقة لمن يرى المشهد من نقطة ارتفاع عجلاتها عن أرض المدرج، وهو غالباً مشهدٌ لا يتحقق إلا لمصوري الأفلام الذين يمكنهم الحصول على مثل هذا الاستثناء لنقل وإرسال هذا الشعور الباذخ إلى المشاهد بنفس حمولته القصوى من الإدهاش. الأمر الذي يدفعني كغيري من الناس للتساؤل: ماذا لو كانت أرامكو في مكان آخر؟ كم هي الأثمان التي يمكن أن ندفع فاتورتها بنفس راضية، لنحظى بفرصة تدريب شبابنا في أروقتها ضمن أنساق ثقافتها القائمة؟ المسألة لا ترتبط فقط بالوقت الذي نفذت فيه الشركة هذه المدينة، وإنما في كامل تفاصيل المشروع التي جعلت مهندسي أرامكو وهم من الشباب السعودي، ولهم نفس جينات أقرانهم في القطاعات الأخرى، يستطيعون أن يُقدموا عملهم بهذا المستوى من الإتقان، فيما تنكسر عيوننا أمام جسر مرور تعيس يستدعي كل ألوان الشكوك من أن من وقف على تنفيذه يحمل شهادة في الهندسة؟! أدرك أن ذهنية إدارة الشركة وآليات عملها ومرونته، تختلف جذرياً عن كل ما سواها، لكن هل يصعب علينا أن نستثمر هذه الثقافة في الإنجاز، والتي هي في متناول أيدينا في زيادة جرعات التدريب في قطاعات الخدمة العامة لبناء حاضنة لاستيعاب هذه الثقافة؟ صحيح ان القضية ليست بهذا القدر من اليسر والسهولة ، لأن الأمر يتصل ببيئة العمل، لكن تصدير ثقافة عمل أرامكو لما وراء أسوارها لا بد وأن يُفضي بشكل أو بآخر إلى التأسيس لهذه الحاضنة التي نريدها، ولو على مراحل، عوضا عن أن نكتفي بالاقتناع بقبول الخسارة بأن هذا العمل من إنجاز أرامكو، بينما العمل الآخر من صنع من سواها، هذا التبرير يُصيب الطموح في مقتل، ويدفع إلى التيئيس والتوهين. ولأن لأرامكو ثقافتها المستقلة، التي لا تستطيع حتى الشركات الأخرى أن تنافسها فيها، فليس أقل من أن تضخ لنا شيئاً من أنفاسها تدريباً وتثقيفاً في بعض قطاعاتنا الخدمية، إن أردنا أن نتشبّه بالمبدعين، ونقتفي خطواتهم.

مشاركة :