سعد الجوير شاعرٌ تسكنه غربته عن الوطن ويهديها صاحبه

  • 5/21/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الكتاب: ما أضيق السماء، ما أوسع القفص المؤلف: سعد الجوير الناشر: مسعى للنشر والتوزيع 2014 البحرين تبدأ المجموعة الشعرية بعنوانها، المختَصِر للتفاصيل، المنشرح المساحات. أن تبدأ غلاف مجموعتكَ بنصٍّ يسبقك إلى المسافات، يأخذك إليها، يدلُّكَ عليها فتمزجه بدلالة الحرية والانكماش، دلالة العزلة والهروب، الطيران بأجنحة والسُّكون بها. سعد الجوير في «ما أضيق السماء، ما أوسع القفص» الصادر عن دار مسعى للنشر والتوزيع 2014 البحرين، يسلبك عينك بوقع عنوانه الضيِّق والواسع، المفتوح والمغلق. تتشكَّل المجموعة من ستَّة عناوين وثلاثة أساليب من كتابة قصيدة سعد الجوير. ثلاثة أساليب مرهونة بالموضوع واللغة وعناصر الفكرة والرمزيّة. يجمع الأساليب الثلاثة تتابع الجمل الموصولة بالفكرة أو الحدث أو امتداد الوصف سرداً سَلِساً حيناً ومكثَّفاً حيناً آخر. ابتعد الشاعر عن الجمل الموصولة تتابعاً، بمقاطع دلالية متقطِّعة في عنوانٍ واحد وهو «محاولة أخيرة لمحمد جابر النبهان» في أربعة نصوص فقط. يجمع هذه النصوص الأربعة مباشرة المحاكاة والابتعاد عنها؛ إذ الجملُ المنفصلة أو المتقطِّعة تقوم على ترميز الفكرة -أو الرسالة- كي يبتعد السياق عن السرد الخالص نثراً منه إلى الشعر. «الصوتُ في داخلي (أنجُ..)/ أسمع الناسَ/ حجارة التاريخِ/ مادةَ الكتبِ (التي لم تذهب للمطبعةِ بعدُ)/ القادمَ المتخيّلَ/ المتحوّل/ الشكلَ الخارجَ عن التصوُّر والممكن..». الأسلوب الأول يبدأ من النص الأول «أي روحٍ تلكَ التي أحتاج». وقد أسميه «أرجحة الوصفية»؛ لأن الشاعر يتبع كتابة الشعر مسروداً وموصوفاً بجملٍ متتابعةِ الروابطِ حتى يصل إلى الوميض الأخير في الجملة الأخيرة من النص. كأن يؤرجح الفكرة بجملٍ وصفيةٍ كالحدث حيناً وكالتشبيه الممتدِ حيناً وكالدلالة وصفاً منتصفةً جملاً اسميةً حيناً آخر. نصٌّ أوَّلٌ مفعمٌ بالغربةِ والتيهِ والذاكرة اللا محددة الزمن. تمويهُ محاكاة الداخلِ المجهول أو المعروف نقضاً لمعرفتهِ! واسترجاع العاطفة المتساءلة والغاضبة والقاسية في آن. «أي روحٍ تلك التي أحتاج/ لأكون آخرين بقدر ما أكونني؟!/ لكي أكون قادراً على إقناع العصافير/ بأنّ القط الذي يتربص ولا يملك سوى أن يموء في الخارج/ يصير قبيلة قادرة وفاتكة..». «عليّ أن أقنعني أنني لستُ هنا/ وليس أحداً هنا/ لكن../ أي روح تلك التي أحتاج/ أي روح مثقلة بالكوابيس!». في النص الثاني «أيها الشرُّ تقدم» يلخّص النص بتتابع حدثيٍّ كان سرداً أٌقرب إلى النثر منه شعراً في بعض المقاطع رغم وجود الوصف في جملٍ فعلية مثل «أنهضُ عن بيتي صوب العمل، لا طريق سوى أن قدمي تمشي في فراغ يمشي»؛ إذ أعطى الفراغ خاصية المشي. وفي جمل اسمية مثل «الصباح بلا وجوه، أمشي وحدي مثل ليلة مليئة بأحاديثها، تفصحُ أحداثها في نهار مرير». وفي تساؤلٍ مستهلكٍ مثل «أي صباحٍ هذا تتساقط فيه النجوم؟ أي سماء ملأى بالرسائل؟». رغم هذا لم يخلُ النصُّ الثاني رغم تتابعه للحدث من الجمل والتراكيب الشعرية. وفي نصوص متفرقة من عناوين متعددة تتشكل ملامح الأسلوب الثالث لسعد الجوير، القائم على الترميز واستحداث الرؤى الفكرية والنقدية. ترتكز بعضها في نصوصٍ مختزلة ومثقلة مثل «ما أضيق السماء ما أوسع القفص» أو «ما أبعد المسافة، ما أضيع الخطوات». وبعضُها الآخر في نصوص تعتمدُ على انشراح الجملٍ «كل هذا الحضور في دلالاته غياب يمدُّ أصابعه في القلب/ لا يقتلعه بقدر ما يصمت نبضته التالية/ إلى أين تغويك الحواسُّ لتمضي؟!». سعد الجوير، الذي تسكنه غربته عن الوطن ويهديها صاحبه. يهدي الغربةَ كوردةٍ ومساحةٍ للمضي واللقاء. عزلته تسابقه شعراً، وتسابقه في الممكنِ، وتشاطره الصباحات المنسيّة. كيف لا وهو القائل «توقفوا لحظةً.. قررتُ البحثَ عنّي في غيابي الأخير».

مشاركة :