الروائي الهنغاري لازلو كرازناهوركاي يحوز البوكر الدوليّة

  • 5/21/2015
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

فاز لازلو كرازناهوركاي بجائزة مان بوكر الدولية في دورتها السادسة، في احتفال أقيم ليل الثلثاء الماضي في متحف فكتوريا وألبرت، لندن. كان الكاتب الهنغاري من ضمن عشرة كتّاب مرشحين، بينهم اللبنانية هدى بركات والليبي ابراهيم الكوني، واقتصر الكُتّاب بالإنكليزية على اثنين فقط هما الهندي أميتاف غوش، والأميركية مارلين هاو. تبلغ قيمة الجائزة ستين ألف جنيه استرليني، وتجلب الى الفائز شهرة أوسع ومزيداً من الترجمات لأعماله. وخلافاً لمان بوكر السنوية، لا يرشّح الناشر كُتاباً ينشر أعمالهم، بل يطرح أعضاء اللجنة الحكم أسماء أدباء يكتبون بالإنكليزية، أو ترجمت أعمال لهم إليها، ويساعدهم مستشارون مستقلون. سبق أن فاز بـ «مان بوكر» الدولية، وهي تُقام كل سنتين، الألباني اسماعيل كاداريه، النيجيري تشينوا أشيبي، الكندية أليس مونرو، الأميركي فيليب روث الذي احتجت عضو اللجنة الحكم على فوزه بالاستقالة لبغضه المرأة، والأميركية ليديا ديفيس. رأست اللجنة الحكم مارينا وورنر، الروائية وأستاذة الأدب الإنكليزي والكتابة الإبداعية في جامعة لندن، التي مدحت رؤيوية الفائز وكثافته الخارقة، وقدرته على التقاط النسيج اليومي في مشاهد غريبة، مرعبة، هزلية بالغة الجمال. رأت «حزن المقاومة» و «رقصة الشيطان» و «سيوبو هناك تحت»، أعمالاً رائعة تتمتع بخيال عميق وشغف معقّد تكاد الكوميديا البشرية تتسامى معها. اللجنة الحكم توقفت عند الرؤيا الهاجية التنبؤية للحضارة الغربية في «حزن المقاومة»، ولفتتها جمل الكاتب الطويلة الوقورة الطائشة المتسائلة الكئيبة الملحمية. برز كرازناهوركاي (60 سنة) في عام 1985 حين أصدر «رقصة الشيطان» التي بيعت سراً في بلاده الشيوعية وتصدرت المبيع، ثم حُولت فيلماً من سبع ساعات ونصف الساعة. تناول الحياة القاسية في قرية يغزر مطرها ويقلّ فرحها، ويهجس فلاحوها بزوجات الآخرين والاحتيال عليهم. تحاول الشابات بيع أجسادهن في المطحنة المدمرة، ويتلصص الطبيب المدمن على الكحول على جيرانه. حين يعلم السكان أن إريمياس الذي ظنوه ميتاً في طريقه إليهم، ينتظرونه قرب النبع وهم يرقصون رقصة خرقاء. كان موظفاً سابقاً في المخابرات، وأتى ليعدهم بأرض الأحلام. يعطونه كل ما ادخروه، وهم يظنونه المخلّص، لكنه قد يكون الشيطان بعينه. حين قرأ الكاتب روايته بعد ثلاثين عاماً، وجدها لا تزال صالحة للعصر لأن جوهرها لم يتغير. لا يزال العالم، النظام الاجتماعي وحياة البشر كما كانت. الخسارة الكبرى كانت فقدان ثقافة الفقر والقدرة فيها على إنشاد أغنيات جميلة مثلاً. الجميع يرغب في الثراء اليوم، وهذا هو الحلم الوحيد. «ولكن هل هذه الغاية الوحيدة وسط القذارة؟ أن يكون لدينا مال أكثر؟ لم تعد هناك فسحات ذات احتمالات». بعد عشرة آلاف عام، يتساءل، «هل الكومبيوتر هو النتيجة؟ حقاً؟ لدينا ميكروفون وكومبيوتر، المجتمع التكنولوجي. هذا كل شيء؟ أمر محزن، مخيّب جداً. بعد كل العباقرة في قصة البشر من ليوناردو الى أينشتاين، من بوذا الى أندريه زيميريدي، هؤلاء الأشخاص الرائعون وعملهم البالغ الأهمية، ولا نستطيع الإفادة منه، لماذا؟». شبّهت سوزان سونتاغ كرازناهوركاي بغوغول وملفيل، ويقول مترجمه جورج شيرتس إن نصه سيل بطيء من الطمي البركاني، ونهر أسود واسع من الحروف. يكره الجملة القصيرة التي يراها مصطنعة وغير ملائمة له، وقلّما يستعمل النقطة التي يقول إنها تساعدنا على الفهم، لكنها ليست طبيعية. تقلّد جمله الطويلة المعقدة حركة الأفكار في الدماغ، ومناخه الروائي ضيّق يثير الإحساس بالحصار. لم ير نفسه كاتباً الى أن التقى إريمياس. عمل حارساً ليلياً وأجيراً في مزرعة، وكان عليه مساعدة رجل مهمته خصي الخنازير. وصل إريمياس فجراً، وأدى عمله بغلاظة وهو يشرب البالينكا، فيما يُمسك لازلو الخنازير المتألمة الصائحة. آلمته التجربة وزودته مناخ «رقصة الشيطان»، وفكر أن عليه الكتابة بعمق عن العالم. أتت العبارات بلا توقف كما تظهر على شاشة الكومبيوتر، ثم خطر له أشخاص صاحوا اللعنة وأرادوا بناء علاقة مع الآخرين. وُلد في غيولا على الحدود مع رومانيا، وبعدت قريته من العاصمة بودابست والقرى الأخرى. كثر هطول المطر واكتأبت السماء، وانحصر همّ الفلاحين بشرب البالينكا والطعام. تشابه الجميع، سواء كانوا في الثلاثين أو الستين، بدوا كأن عمرهم ستة آلاف سنة وبلا أسماء. بدأ يقرأ دوستويفسكي ودانتي والأدب الإغريقي في التاسعة عشرة، وكان مصيباً حين اعتقد أنه لن يكون من الوسط الأدبي. يقول اليوم إن معظم الكُتّاب يحتاجون الى عشرة قرّاء فقط، وستة في أسوأ الأحوال. سبق أن فاز كرازناهوركاي بجائزة «بستنليست» الألمانية عن «حزن المقاومة»، التي يعرض فيها سيرك حوتاً محنطاً في قرية يؤدي الى موجة من العنف. وكرّمه النظام بأعلى جوائز هنغاريا الرسمية، كوسوث. ضمّت اللائحة الطويلة النروجي المثير للجدل كارل أوفا كنوسغارد والياباني هاروكي موراكامي، وأشار عضو اللجنة الحكم الأميركي إدوين فرانك الى تعرفّه الى كُتاب لم يسبق أن قرأ لهم، خصوصاً العرب الذين لا يترجم الكثير من أعمالهم الى الإنكليزية. مع ازدياد الجوائز، تكبر معرفة الناشرين والقراء والأوساط الأدبية بأسماء الكُتاب الأقل شهرة، ويتّسع المدى الجغرافي ولوائح المطالعة كما ذكر جوناثان تيلور، رئيس مؤسسة الجائزة. وفي حين يذكر الموقع الرسمي للجائزة أن عدد الكُتاب المترجمين الى الإنكليزية ازداد بنسبة ثمانين في المئة، تُحجب الإحصاءات التي تتعلّق ببيع الكتب المترجمة. على أن الجوائز تبقى وسيلة أكيدة لمزيد من الاستقلال المادي والشهرة والفرص، أقله في عالم الأدب والسينما.

مشاركة :