تمكن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الجمعة من انتزاع موافقة مجلس العموم البريطاني على الاتفاق الذي توصل إليه مع الاتحاد الأوروبي لإنهاء عضوية المملكة. وبتصويته الجمعة أعطى النواب البريطانيون الموافقة الأولية على اتفاق بريكست، ولكي يطلقوا بذلك مسار تبنيه بما يسمح للمملكة المتحدة بمغادرة الاتحاد الأوروبي في 31 يناير وهو تاريخ انقضاء المهلة الجديدة التي منحتها بروكسل للندن لتنفيذ بريكست. وبعد نحو ثلاث سنوات من استفتاء بريكست، وهي فترة اتصفت بالأزمات والجمود السياسي، يتوقع أن يحصل جونسون على دعم البرلمان من دون صعوبات كنتيجة لانتخابات 12 ديسمبر التي فاز حزبه فيها بغالبية مريحة. وتم التصويت على النص في قراءة ثانية بعد ظهر الجمعة في وستمنستر، ليمهد هذا التصويت لانطلاق نقاشات أكثر تفصيلا بدءا من 7 يناير، على أن يتم تبنيه نهائيا بعد التاسع منه كما ترغب الحكومة. وفي القراءة الثانية وافق مجلس العموم على النص بتأييد 358 عضوا ومعارضة 234. وبعد الحصول على موافقة ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، لن يبقى سوى إقراره في البرلمان الأوروبي، لتتمكن المملكة المتحدة من مغادرة الاتحاد الأوروبي في 31 يناير 2020 بعد 47 عاما من شراكة مضطربة. التصويت على نص بريكست في قراءة ثانية الجمعة يمهد ذلك لانطلاق نقاشات أكثر تفصيلا بدءا من 7 يناير وقال جونسون في مجلس العموم إنّ هذا النص يمثّل مفترقا “في تاريخنا الوطني”، داعيا إلى “عدم النظر إليه بمثابة انتصار حزب على آخر”. وتابع “إنّه وقت العمل سويا في ظل ثقة متجددة بمصيرنا الوطني”. ويشكل الموعد الرسمي لبريكست بداية لمرحلة مفاوضات تهدف للتوصل إلى اتفاق للتبادل الحر لا ينظر المراقبون للطريقة التي سيقودها بها جونسون بعين الرضا. وتبدأ في 31 يناير مرحلة انتقالية تستمر حتى نهاية 2020 ويفترض أن تسمح للندن والمفوضية الأوروبية بالانفصال بهدوء. وخلال هذه الفترة سيواصل البريطانيون تطبيق القواعد الأوروبية والاستفادة منها من دون أن تكون المملكة المتحدة ممثلة في مؤسسات الاتحاد. ويمكن أن تمدد هذه المرحلة مرة واحدة لعام أو عامين، لكن أي طلب في هذا الاتجاه يجب أن يقدم قبل الأول من يوليو. ولكن بوريس جونسون له رأي آخر حيث يسعى إلى إلغاء هذا الاحتمال إذ أدرج في النص المعروض على البرلمان فقرة تحظر أي تمديد للفترة الانتقالية. وأثار هذا الموقف مخاوف من عواقب خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي “من دون اتفاق” على الاقتصاد في نهاية 2020، فيما اعتبر زعيم المعارضة العمّالية جيريمي كوربين أنّ ذلك “سيضحي بمئات الآلاف من الوظائف”. وبالرغم من انطلاقه من مبدأ احترام خيار البريطانيين، فإنّ كوربين ندد باتفاق “يفتح الباب أمام رفع الضوابط بشكل كبير” وباتفاق تبادل حر “سام” مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وقال كوربين في مجلس العموم “ثمة طريقة أفضل وأكثر عدلا لبلادنا لمغادرة الاتحاد الأوروبي”، مشيرا إلى أنّ رئيس الوزراء يلجأ إلى “الحيل والنصائح” من أجل “إخفاء نواياه”. وأكد الاتحاد الأوروبي أنه سيبذل “أقصى الجهود” لإبرام اتفاق، محذرا في الوقت نفسه من أن “عدم التوصل” إلى اتفاق “سيترك أثرا على بريطانيا” أكبر مما سيكون على الأوروبيين.وبدورها حذّرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين من أن الفشل في التفاوض سريعا على اتفاق تجاري جديد بعد بريكست سيضر ببريطانيا أكثر من الاتحاد الأوروبي. وبعدما اكتسبت الحكومة حريتها في إتمام بريكست كما ترغب نتيجة للانتخابات، فإنّها حسمت أمرها بما يخص رئاسة المصرف المركزي، المؤسسة التي لعبت دورا رئيسيا لحماية الاقتصاد البريطاني من الاضطرابات المرتبطة بالخروج من الاتحاد الأوروبي. ولخلافة مارك كارني على رأس المؤسسة، بعدما جرى تمديد ولايته في ظل الغموض الذي كان مهيمنا على مصير بريكست، وقع الاختيار على مدير هيئة أسواق المال أندرو بايلي. وفشل جونسون في السابق في الحصول على دعم البرلمان بعدما تفاوض على اتفاق جديد حول بريكست ينص على حل جديد لتجنب عودة فرض حدود فعلية بين أيرلندا الشمالية، المقاطعة البريطانية، وجمهورية أيرلندا العضو في الاتحاد الأوروبي. وخسر آنذاك الغالبية بسبب انشقاقات وطرد نواب وهو ما طبع الأزمة السياسية الناجمة عن استفتاء العام 2016 الذي أيد البريطانيون بموجبه بنسبة 52 بالمئة الخروج من الاتحاد الأوروبي. ومن أجل الخروج من الطريق المسدود، تمكن بعد عدة محاولات من التوصل إلى التوافق اللازم لإجراء انتخابات مبكرة، وخرج منها بغالبية غير مسبوقة لحزب المحافظين منذ تولي مارغريت تاتشر رئاسة الوزراء. وبعد أن تمكن من انتزاع مصادقة مجلس العموم على صفقته لن يكون أمام جونسون الكثير من المطبات، غير أن تشبث اسكتلندا بالانفصال عن المملكة هو ما سيزعج رئيس الوزراء الذي يرفض وحكومته مقترح إجراء استفتاء جديد بشأن استقلال اسكتلندا بعد أن فشل الانفصاليون في 2014 في كسب تأييد قوي في الاستفتاء الأول. وكانت سلفه تيريزا ماي قد حاولت وأخفقت في ثلاث مرات في الحصول على موافقة البرلمان على اتفاق انسحاب سابق مع الاتحاد الأوروبي.
مشاركة :