القدس 19 ديسمبر 2019 (شينخوا) سلطت مسألة المقاطعة الفلسطينية للمواشي الإسرائيلية وإعلان السلطة الفلسطينية عدم استيراد العجول من إسرائيل في محاولة عملية للانفكاك الاقتصادي، الضوء على العلاقات الاقتصادية غير المتكافئة بين الجانبين. وفي الوقت الذي اعتبر فيه محللون إسرائيليون محاولات السلطة الفلسطينية في الضغط الاقتصادي على إسرائيل من أجل تغيير علاقاتها وسياستها التجارية مع السلطة الفلسطينية قد فشلت، رأى نظراؤهم الفلسطينيون أن هدف المقاطعة لم يفشل، مشيرين إلى أن الخطوة كانت بمثابة بيان سياسي أكثر من كونها خطوة اقتصادية. ويستبعد محللون وخبراء اقتصاديون إسرائيليون قدرة السلطة الفلسطينية على أن تنفك عن الاقتصاد الإسرائيلي لارتباطها الوثيق والمحكم به، وذلك بناء على اتفاقيات دولية تجمع الجانبين اقتصاديا. وقال بدر روك، مستشار السياسات القانونية والاقتصادية في معهد (توني بلير) للتغيير العالمي لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنه "لم يكن من الصواب أن يتم ربط السياسة بالاقتصاد، واتخاذ قرارات من صناع القرار الفلسطينيين دون التأكد من احتمالية إيجاد بدائل واقعية للمواطنين الفلسطينيين، بدلا من "القفز في الهواء دون جدوى". وأضاف "كان من الأسهل بالنسبة لأشتية (رئيس الوزراء الفلسطيني) أن يتحرك في المجال الاقتصادي في الأمور ذات الطابع السياسي". وأضاف روك "أشتية قال إنه يريد فصل الاقتصاد الفلسطيني عن إسرائيل، ولكن هذا ليس مجرد بيان اقتصادي". ونوه بأن "الانفصال عن الاقتصاد الإسرائيلي يعد خطأ كبيرا، إسرائيل سوق ضخمة وغنية جدا، يجب الاستفادة من عامل القرب من أجل زيادة الصادرات إلى إسرائيل". ومنعت السلطة الفلسطينية استيراد العجول من إسرائيل، بناء على قرار رئيس الوزراء محمد أشتية، في خطوة نحو الانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل، حيث أن الفلسطينيين يشترون حوالي 120 ألف رأس من المواشي الإسرائيلية سنويا. وتعتبر اللحوم من السلع غير الرخيصة نوعا ما حتى بدون وجود قيود عليها، ولكن بعد منع استيرادها ارتفعت بشكل مبالغ به، مما ساهم نوعا ما في تخفيف السلطة الفلسطينية من إجراءاتها والسماح باستيرادها من إسرائيل مجددا مع إتاحة المجال لتجار اخرين بالاستيراد من الخارج. ولم تعلن السلطة الفلسطينية بشكل رسمي رفع الحظر عن استيراد المواشي من إسرائيل، لكنها سمحت لبعض التجار الفلسطينيين بالاستيراد من إسرائيل خصوصا الذين كانوا قد اشتروا مواشي قبل عملية المنع. وقال طارق أبو لبن مدير عام التسويق في وزارة الزراعة الفلسطينية لـ((شينخوا)) "نحن لم نغير من سياستنا بشأن استيراد العجول، فنحن مازلنا نستورد العجول من الدول المصدرة مباشرة، ولكن يمكننا أن نستورد من إسرائيل في حال كان هناك نقص في الأسواق الفلسطينية". وأفرجت إسرائيل عن 5300 رأس من العجول المحتجزة في الموانئ الإسرائيلية لتجار فلسطينيين، منها 2500 رأس لسكان قطاع غزة، ونحو 2800 للضفة الغربية. في المقابل، قال نائل موسى، وهو خبير اقتصادي فلسطيني ويعمل محاضرا في جامعة (النجاح الوطنية) في الضفة الغربية، لـ((شينخوا)) "إن السلطة الفلسطينية اتخذت مثل هذا القرار لأهداف سامية، لكن القرار لم يكن مدروسا بشكل جيد". وأوضح أن إسرائيل تفرض تعقيدات كثيرة على أي محاولة للفلسطينيين للاستيراد من دول أخرى غيرها، "لذلك كان من الأفضل للسلطة منذ البداية أن تشجع المستوردين الفلسطينيين للاستيراد من الخارج دون التطرق أو الإعلان عن موضوع منع الاستيراد من إسرائيل". ورأى موسى أنه حتى لو لم تحقق المقاطعة فائدة عملية فإنها سلطت الضوء على حجم الظلم الذي يعاني منه الاقتصاد الفلسطيني من قبل إسرائيل والإجراءات العقابية التي تفرضها في حال حاول الفلسطينيون الانفكاك أو الاستقلال عنها. واتفق الخبير الاقتصادي بوعز كارني، الذي يعمل مع مؤسسة التعاون الاقتصادي (إي سي أف) وهي مؤسسة فكرية إسرائيلية، مع سابقه موسى، في أن الدافع الأساسي وراء المقاطعة كان سياسيا فقط، ولم يكن المقصود الانفكاك فعليا إذ هناك مجالات اقتصادية أخرى لم يشملها القرار. وقال كارني لـ((شينخوا)) إنه "من المفترض أن تكون هناك حرية حركة لتنقل البضائع بين الجانبين، وأن تسمح إسرائيل بالتصدير المجاني للفلسطينيين"، منوها بأن "إسرائيل لا تلتزم بالاتفاقيات، وتستخدم العديد من الأعذار المختلفة لتبرر ذلك". ويرتكز التعاون الاقتصادي بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل على الاتفاقات الدولية الموقعة في التسعينيات، وكان للتجارة بين الطرفين منذ ذلك الوقت فترات صعود وهبوط، بسبب التوترات بين الجانبين. ويعتمد الاقتصاد الفلسطيني على الاقتصاد الإسرائيلي كليا، مما يجعل عملية الفصل بين الجانبين مهمة معقدة للغاية. وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، تعتبر إسرائيل أكبر مصدر تجاري للسلطة الفلسطينية، حيث تذهب 90% من الواردات الفلسطينية إلى إسرائيل. وأشار إلى أن غالبية البضائع القادمة إلى الأراضي الفلسطينية هي من إسرائيل، أو عبر المعابر الإسرائيلية. وبناء على ذلك، يرى كارني أن محاولة أشتية التحرر من التبعية الفلسطينية للمواشي الإسرائيلية، ربما تكون محاولة واحدة "لكنها ليست حكيمة وغير مستحسنة لكلا الجانبين"، على حد قوله. ولا يقتصر الارتباط الاقتصادي بين الجانبين على الاستيراد من إسرائيل فقط، ولكن عادة ما يتم تصدير المنتجات الزراعية الفلسطينية إلى إسرائيل بشكل يومي، رغم العديد من القيود الصعبة التي تفرضها على حركة نقل البضائع. وذكرت تقارير إسرائيلية أن الحكومة الإسرائيلية تسمح بتسهيلات اقتصادية للفلسطينيين مقابل الحصول على الهدوء بين الطرفين، "لكن ذلك لم يترجم على أرض الواقع"، على حد قول كارني. وأضاف كارني "أن جماعات الضغط الزراعية المختلفة في إسرائيل تعارض السماح للفلسطينيين بحرية التجارة، في حين أن مصلحة إسرائيل كدولة هي أن يكون هناك تصدير فلسطيني إلى إسرائيل من شأنه أن يخفض الأسعار، ويحسن أيضا نوعية حياة الفلسطينيين". وأوضح أنه من الضروري تحسين نوعية حياة الفلسطينيين حتى يكون هناك اهتمام بالحفاظ على الهدوء واستمرار التجارة، مشددا على أنه في حال لم يتم ذلك فإن مصالح إسرائيل الأمنية سوف تتضرر. ويدخل أكثر من 70 ألف عامل فلسطيني من الضفة الغربية إلى إسرائيل بشكل يومي غالبيتهم يعملون في البناء، ويعتبر المال الذي يجنونه هو المحرك الرئيس للاقتصاد الفلسطيني. وتشير التقديرات إلى أن ضخ ملايين الدولارات سنويا بالاقتصاد الفلسطيني هو جزء من الاتفاقيات الاقتصادية التي وقعها الطرفان في باريس عام 1994. وقال روك "إن إلغاء الاتفاقيات مع إسرائيل سيكون خطأ من جانب اشتية، وأن العمال الفلسطينيين الذين يدخلون إلى إسرائيل هم السبب في عدم انهيار السلطة الفلسطينية حتى الآن، والذين يسمحون لهم بزيادة الاستهلاك". ووفقا لروك، ينبغي على السلطة الفلسطينية الاهتمام بالداخل، بدلا من اتخاذ خطوات ضد إسرائيل. وقال لـ((شينخوا)) "عليهم – يقصد الفلسطينيون – التركيز على دعم الصانع الفلسطيني ومساعدته في صنع منتجات أفضل وتنافسية يمكنها المنافسة مع المنتجات الإسرائيلية". وأضاف "لا يمكن للمرء أن يحل حتى أبسط مشاكل الاقتصاد الفلسطيني، دون حل القضايا السياسية، إن الأمن والاقتصاد متشابكان كألياف لا يمكن تفكيكها".
مشاركة :