غزة 15 مايو 2021 (شينخوا) يستبعد مراقبون فلسطينيون قيام إسرائيل بتنفيذ عملية برية داخل قطاع غزة لوقف إطلاق الصواريخ باتجاه أراضيها، معتبرين أن الخطوة قد تقود لمواجهة شاملة غير محسوبة التوقعات. وسادت التكهنات خلال الساعات الماضية بقيام الجيش الإسرائيلي بتنفيذ عملية برية ضد الفصائل الفلسطينية المسلحة التي استمرت بإطلاق الصواريخ بعد أن عزز تواجده العسكري على حدود القطاع ونشر دبابات وقوات برية في تصعيد للقتال الدائر. وزاد التكهنات بإعلان الجيش استدعاء 7000 من جنوده الاحتياط، وأوامر عسكرية من وزير الدفاع بيني غانتس بدفع المزيد من التعزيزات إلى مناطق الحدود مع غزة. وتصاعدت حدة التوتر بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي خلال الساعات الماضية مع ارتفاع حصيلة القتلى في صفوف الجانبين وتبادل الهجمات الصاروخية، فضلا عن التهديد بمزيد من التصعيد في ظل عدم وصول الجهود الإقليمية لإعلان تهدئة إلى نتيجة حتى الآن. كلفة عالية وقال المحلل السياسي من غزة عدنان أبو عامر، إن احتمال تنفيذ عملية برية ضد غزة سيكون له "انعكاسات خطيرة وكلفة عالية" في الأرواح والممتلكات على إسرائيل قبل الفلسطينيين، وربما تتطور لمواجهة شاملة، وبالتالي هذا الأمر استبعد حدوثه تماما". ويرى أبو عامر في تصريح لوكالة أنباء ((شينخوا))، أن التلويح بالهجوم البري "لا يعدو كونه حرب نفسية لدفع الفلسطينيين لوقف الهجمات وعملية استعراضية فقط". ويضيف "أن القيادة في إسرائيل تعلم أن خيار العملية البرية سيضع جنودها أمام ثلاثة خيارات أما الموت أو العودة بإعاقات أو وقوع عدد منهم أسرى في أيدي الفصائل". وتعتبر جولة التوتر الحالية بين الجانبين هي الأسوأ على الإطلاق منذ حرب العام 2014، وقد تأججت في البداية بسبب أسابيع من التوتر في شرق القدس مما أدى إلى مواجهات تحولت إلى تبادل متواصل لقصف صواريخ فلسطينية وشن غارات جوية إسرائيلية . وقتل ما لا يقل عن 140 فلسطينيا بفعل هجمات جوية ومدفعية شنتها إسرائيل على غزة في مقابل قتل ما يزيد عن تسعة إسرائيليين غالبيتهم بفعل إطلاق القذائف الصاروخية الفلسطينية. ويتفق المحلل السياسي من غزة حسام الدجني مع أبو عامر، مستبعدا لجوء إسرائيل إلى شن هجوم بري واسع على القطاع لوقف ما ينطلق منه. وقال الدجني لـ(شينخوا)، إن إسرائيل لن تستطيع احتمال دفع فاتورة تكلفة عملية برية في عمق غزة المكتظ بالسكان لأن الخطوة قد يسقط فيها الكثير من الأبرياء، فضلا عن احتمالية تكبدها خسائر بشرية حيث القتال سيتحول إلى "حرب شوارع". وتابع الدجني، "في تقديري الهجوم البري له مساران، الأول المحدود، والثاني الواسع، وهذا لن تذهب إليه إسرائيل أيا كانت الظروف لأنها تعلم قوة المقاومة الفلسطينية أولا ثم الخسائر من الجانبين التي يمكن أن تحدث". ويعتبر، أن أقصى ما يمكن أن تقوم به إسرائيل هو المسار الأول من خلال تعزيز تواجدها العسكري على حدود غزة وتوغل بسيط لعدة أمتار على أطراف القطاع لحماية بلداتها ومستوطناتها المحاذية من احتمال شن هجمات تسلل فلسطينية والضغط على الفصائل الفلسطينية لوقف إطلاق النار. وقف إطلاق النار ورجح الدجني وأبو عامر وأخرين أن الجيش الإسرائيلي لا يمكنه الاستمرار طويلا في هذا التصعيد وسيقوم بدلا من ذلك بتكثيف ضرباته الجوية والبرية خلال الفترة المقبلة ومن ثم التجاوب مع مساع التهدئة ووقف إطلاق النار. وقال أبو عامر، إن جميع التحركات التي نفذتها إسرائيل على الحدود كانت تكتيكية ومناورة خداعية بالتزامن مع القصف العنيف من الدبابات والطائرات بهدف تحقيق انجاز ما كبير. وفعليا بدأت محادثات بشأن التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، برعاية مصر ووسطاء وقطر والأمم المتحدة بدعم الولايات المتحدة الأمريكية لمنع تدهور الأمور. ويعتقد الدجني، بأن الفصائل الفلسطينية خاصة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تسيطر على قطاع غزة مستعدة لاتفاق وقف إطلاق النار ولا تريد الدخول بمواجهة شاملة مع إسرائيل. ويضيف، أن هذا الاستعداد للتوصل لاتفاق إطلاق النار وتحقيق التهدئة "لن يكون بأي ثمن وإنما على قاعدة تلبية الشرط الأساسي بوقف العدوان الإسرائيلي في القدس". وتابع أن الفصائل في غزة، لم تسعى أساسا للدخول في هذه المواجهة لكن تأخر الموقف الدولي والرسمي لوقف الأحداث في المسجد الأقصى أجبرتها على التحرك واخذ زمام المبادرة". الربح والخسارة في المقابل، ينظر بعض من المحللين إلى أن التصعيد المستمر في غزة بأنه مفيد لكل من حماس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ظل أزمة فراغ سياسي يعاني منه الجانبان بعد تأجيل الانتخابات الفلسطينية، وبعد جولة انتخابات رابعة غير حاسمة في إسرائيل فشل فيها نتنياهو في تشكيل حكومة. ويعتقد المحلل السياسي من الناصرة في إسرائيل بلال ضاهر بأن نتنياهو رأى في التوتر الميداني في القدس فرصة للبقاء في الحكم ومنع خصومه من تشكيل حكومة تسقط حكمه. ويقول ضاهر لـ(شينخوا)، إنه مع انتقال تفويض تشكيل الحكومة الإسرائيلية إلى رئيس حزب "ييش عتيد"، يائير لبيد في الخامس من الشهر الجاري، بادر نتنياهو إلى المزيد من التصعيد بهدف منع إسقاطه عن الحكم. ويضيف "نجح نتنياهو بمنع تشكيل حكومة ليست برئاسته، وهو يسعى الآن إلى إعادة التفويض بتشكيل الحكومة إلى الكنيست، آملا بأن يتمكن من تشكيلها، وذلك كله من بوابة التصعيد مع الفلسطينيين". ويتابع ضاهر أن "نتنياهو لم يتورع عن استخدام أي وسيلة، ليس ضد غزة فقط، وإنما ضد المجتمع العربي في إسرائيل بالأساس، من أجل الحفاظ على حكمه والتهرب من محاكمته بتهم فساد خطيرة، وسط دعم معسكر سياسي واسع يستفيد من هذا الحكم، وعجز خصومه عن تشكيل بديل سياسي له". وقال أبو عامر، إن نتنياهو "أراد أن يكون تصعيدا جزئيا محددا دون التوسع به لأيام طويلة أو الدخول في عملية برية لكنه فوجئ بقدرة المقاومة الفلسطينية على ضرب القلب الإسرائيلي وسقوط الصواريخ في القدس فلم يكن هذا الأمر محسوب". وقال الدجني، إن نتنياهو ربما يستفيد على المستوى الآني مما يحدث من خلال توحيد بعض الأحزاب لتشكيل حكومة في حال فشل التكتل الآخر، لكن في تقديري حتى لو انقضى غبار المعركة قد يحدث تحولات في المشهد الإسرائيلي. وأوضح، أن حماس أيضا حققت مكاسب سياسية كثيرة في التصعيد الحالي، حيث قدمت نفسها بأنها المدافعة عن الشعب الفلسطيني ومنقذة للمسجد الأقصى وفكت الحصار عن المرابطين ومنعت إخلاء منازل حي الشيخ جراح شرق القدس وهذا يعطيها نفس شعبي وسياسي. ويعتبر المحلل السياسي من غزة طلال عوكل، أن إسرائيل "أخطأت في تقديرها بأن حماس أو الفصائل الفلسطينية الأخرى ستصمت ضد ما ترتكبه في المسجد الأقصى والمدينة المقدسة وهذا ما قاد إلى تفجير الوضع الميداني". ويشير عوكل في تصريح لـ(شينخوا)، إلى أن حماس مستعدة بالتأكيد لوقف إطلاق النار لكنها تصر على أن توقف إسرائيل هجمتها في القدس وفي حي الشيخ جراح، وعدم مضايقة المصلين في المسجد الأقصى، ومن ثم تعود الأمور إلى طبيعتها. ويتابع، أن "المشكلة تكمن مع إسرائيل التي لا تريد أن تقبل بهذه الشروط لأن صورتها مهزوزة وتريد أي انتصار تظهر به أمام الرأي العام الإسرائيلي خاصة في ظل أزمتها السياسية الداخلية". ويعتقد أبو عامر، بأن إسرائيل تتردد في التجاوب مع جهود إعلان وقف إطلاق النار في غزة لعدم تحقيقها إنجازا ميدانيا يسجل لها كانتصار بما يوازي ما تكبدته من هجمات من الفصائل الفلسطينية.
مشاركة :