11 مليار دولار تكلفة تخلص القاهرة من البيروقراطية

  • 12/23/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تعول القاهرة على خطط تنموية شاملة لإنقاذ اقتصادها من شبح الركود الذي ضرب مختلف محركات الإنتاج بالتعويل على قيادة الشركات الحكومية لزمام تمويل المشاريع وتنفيذها، في وقت تتزايد فيه المؤشرات بشأن اتساع البيروقراطية العميقة، التي تعطل تطبيق البرامج. القاهرة- فاقمت البيروقراطية أوضاع المشروعات الصغيرة، وحدت من نموها، رغم حزمة الإنقاذ التي رصدتها الحكومة المصرية خلال السنوات الثلاث الماضية. ورصدت القاهرة ثلاث حزم إنقاذ لانتشال الاقتصاد من الركود بقيمة 11 مليار دولار، الأولى لتنشيط المشروعات المتوسطة بقيمة ستة مليارات دولار، والثانية لإعادة الحياة إلى المصانع المتعثرة بقيمة ملياري دولار، والثالثة تسعى لتعزيز الطلب على قطاع العقارات وقيمتها ثلاثة مليارات دولار. وهناك رهان على هذا القطاع لتنشيط الاقتصاد حيث ضخت نحو 12.4 مليار دولار لتمويله، وذلك بهدف تعزيز إنتاجيته وضمان تحقيق الأرباح. ولم تؤت تلك الحزم أكلها بطريقة كاملة، وأخفقت الحشود في دعمها على جميع الأصعدة، الأمر الذي حدا بالحكومة إلى التفكير في بدائل أكثر سرعة وتأثيرا لتشغيل مفاصل الاقتصاد. وفي خطوة سريعة أعلن البنك المركزي مؤخرا طرح حزم إنقاذ جديدة، إحداها تستهدف المشروعات المتوسطة ورصد لها 6 مليارات دولار لتمويل رأس المال العامل. كما ستمكن الحزم من شراء الآلات والمعدات بفائدة عشرة بالمئة متناقصة، وذلك بهدف تسريع وتيرة النمو، حيث تقل عن سعر الفائدة المعلن من البنك المركزي بنحو 2.25 بالمئة. وتشارك في المبادرة جميع البنوك المحلية، على أن تتحمل وزارة المالية والبنك المركزي معا فارق سعر الفائدة، والذي يقدر بحوالي 4.75 مليار جنيه (295 مليون دولار). وقال جمال نجم، نائب محافظ البنك المركزي، إن “المبادرة تدعم قطاع الصناعة ومتاحة أمام نحو 96 ألف مصنع متوسط”. وأوضح في تصريحات لـ”العرب” أن المبادرة تسهم في رفع معدلات النمو الاقتصادي من 5.2 بالمئة إلى 5.9 بالمئة. ووضع المركزي شروطا لمنح التمويل للمشروعات المتوسطة، ويصل حجم مبيعاتها إلى ثلاثة ملايين دولار سنويا ولا يزيد عن 62 مليون دولار، على ألا يستخدم قيمة التمويل في سداد قروض أو تسهيلات قائمة. وكشفت بيانات المركزي أن إجمالي القروض الممنوحة لقطاع الصناعة يصل إلى نحو 27.3 مليار دولار. ومن المتوقع أن تشهد مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي زيادة ملموسة من مستويات 16.5 بالمئة حاليا إلى نحو 24.5 بالمئة حال استهلاك قيمة المبادرة بالكامل من جانب الشركات المتوسطة. وتهدف القاهرة، من وراء مبادرة دعم الصناعة، إلى إحلال الواردات بمنتجات محلية وتشجيع التصدير، كما تريد استغلال المؤشرات المتعلقة بتحليل هيكل الواردات، الذي يشير إلى أن نحو 80 بالمئة منها منتجات صناعية يتم استيرادها من 30 دولة. ومن المنتظر أن يصل إجمالي واردات مصر مع حلول 2030 إلى نحو 150 مليار دولار، مقارنة بنحو 66.5 مليار دولار العام المالي الماضي. وتتبنى وزارة التجارة والصناعة استراتيجية تستهدف وصول الصادرات إلى نحو مئتي مليار دولار بحلول 2030 مقابل 28.4 مليار دولار العام الماضي، وهو هدف يصعب تنفيذه وفق المتغيرات الحالية. وكشفت دراسات قطاع التجارة الخارجية بوزارة التجارة والصناعة أن كل مليار دولار صادرات يوفر للخزانة العامة للدولة نحو 250 مليون دولار، ونحو 206 آلاف فرصة عمل. وقال مجدالدين المنزلاوي، رئيس لجنة الصناعة والبحث العلمي في جمعية رجال الأعمال المصريين، إن “المبادرة تعزز زيادة الإنتاجية وتشجع الاستثمار الصناعي”. ولفت لـ”العرب” إلى أن المبادرة لبت الطموحات، فالمشاريع الصغيرة لن تنشط إلا إذا تم تشغيل مفاصل الصناعات المتوسطة، الأمر الذي لمسه الجميع خلال السنوات الماضية. وأطلق البنك المركزي مبادرات أخرى لدعم الصناعة ورأس المال العامل وشراء الآلات والمعدات بقيمة مليار دولار استفاد منها 865 مصنعا، إلى جانب مبادرات للتمويل العقاري بقيمة 1.2 مليار دولار لنحو 213 ألف مواطن لشراء وحدات سكنية. وواكبت مبادرة تنشيط قطاع الصناعة حزمة مالية لإسقاط فوائد الديون المتعثرة عن نحو 8586 مصنعا متعثرا عن السداد، شرط أن يقوم المصنع بسداد 50 بالمئة من أصل القرض. وتظهر أرقام البنك المركزي أن إجمالي الديون على هذه المصانع يبلغ 2.2 مليار دولار، منها حوالي ملياري دولار فوائد وغرامات تأخير، في حين أن أصل الديون يصل إلى 273 مليون دولار، وبموجب التصالح معها تلتزم البنوك برفعها من قوائم التعثر. وإلى جانب ذلك، رصد البنك المركزي أيضا حزمة إنقاذ ثالثة للقطاع العقاري بنحو 3 مليارات دولار لمنحه جرعة تنشيطية. وتستهدف المبادرة الطبقة الأعلى من محدودي الدخل، حيث أن محدودي الدخل تشملهم مبادرة التمويل العقاري التي تمولها وزارة المالية. وأشار حسن حسين، رئيس شركة الأولى للتمويل العقاري، إلى أن مبادرة التمويل العقاري ضمت ضمن نطاقها شركات التمويل العقاري، وهى سابقة تعد الأولى من نوعها بأن تشارك شركات التمويل العقاري بالتزامن مع البنوك في مبادرة واحدة. وذكر في تصريح لـ”العرب”، أنه في الفترات الماضية كانت تتم مشاركة البنوك في المرحلة الأولى من بناء المشاريع، ثم تدخل شركات التمويل في مرحلة ثانية لتمويل الوحدات التي تم بناؤها بالفعل. وأدى هذا الإجراء على مدى سنوات إلى تضاؤل نشاط التمويل العقاري، مقارنة بحجم السوق، حيث بلغ العام الماضي نحو 136.6 مليون دولار فقط. ويرتبط قطاع التشييد والبناء بحوالي 90 صناعة ومهنة، ويمنح نشاطه دفعة قوية لمفاصل الاقتصاد، لكنه يحتاج إلى قدرات تمويلية لدى الأفراد لتعزيز معدلات الطلب عليه، الأمر الذي دفع البنك المركزي إلى رصد حزمة تنشيطية لتحفيز الأفراد على الشراء. ويشترط للحصول على قروض مبادرة التمويل العقاري أن ينتمي الفرد إلى طبقة الدخل المتوسط التي يزيد دخلها الشهري عن 372 دولارا ولا يتجاوز 3100 دولار للأسرة أو 2480 دولار للفرد. وحددت المبادرة شروطا لتمويل الوحدات السكنية، أهمها أن لا تزيد مساحة الوحدة السكنية عن 150 مترا ولا تتجاوز قيمتها 139 ألف دولار، وتكون كاملة التشطيب، وألا يكون المستفيد انتفع من مبادرات دعم الإسكان قبل ذلك. وتصل فترات سداد أقساط الوحدات وفق المبادرة إلى نحو 20 عاما بفائدة 10 بالمئة متناقصة، وأن يتم التمويل لشراء وحدة سكنية واحدة فقط، وفي حال بيع الوحدة أو السداد المعجّل للقرض يتم إخراج الوحدة من حيز المبادرة. وتبقى في النهاية مبادرات حزم الإنقاذ المالية رهن كفاءة إنفاقها، وسرعة دورانها في شرايين الاقتصاد كي يسترد عافيته، ويحتاج ذلك إلى مهارات على جميع الأصعدة لمواجهة بيروقراطية الدولة العميقة التي تقوض الاقتصاد وتهدر موارد البلاد.

مشاركة :