تجميد النزاع الأوكراني

  • 5/22/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يقول الرئيس الأوكراني بيترو بوروشنكو إن بلاه تخوض حرباً حقيقية مع روسيا... وكأنه يوجه رسالة استغاثة لقادة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لدخول ميدان المعركة ومساندة الحليف المهدد.لكن الحقيقة التي يعلمها بوروشنكو قبل غيره، أنه لا أحد في الغرب يرغب في الاستجابة لهذه الاستغاثة. والواقع أن تجميد النزاع ومنع التصعيد العسكري في أوكرانيا هو قرار استراتيجي لقادة أوروبا. فالقارة العجوز مثقلة بالمشكلات، تعاني بعض دولها الإفلاس وتتعاظم النزعات الانفصالية في دول أخرى، تواجه تمرداً من بريطانيا وتحاصرها أمواج المهاجرين وتهددها بانقسامات جديدة، وفي وسط هذه الفوضى فإن أوروبا لن ترغب في التورط في نزاع عسكري لا تعرف نتائجه. وتجميد الصراع الأوكراني قرار أمريكي أيضاً.فالولايات المتحدة غارقة بالكامل في نزاعات مميتة تستنزف طاقاتها في العراق وسوريا وليبيا ومنشغلة بقضايا إقرار السلام في الشرق الأوسط ومحاصرة البرنامج النووي الإيراني والإرهاب في اليمن والصومال ومالي، والحروب الأهلية والأزمات السياسية في جنوب السودان وبوروندي، وهي تنظر بقلق إلى نمو القوة العسكرية والاقتصادية للصين. وأوباما الذي تنتهي فترة ولايته العام المقبل، وهي الفترة الثانية التي لا يجوز له بعدها الترشح للرئاسة الأمريكية، سيهرب دون شك من أي محاولات لدفعه باتجاه المشاركة في حروب جديدة مع خصوم في مستوى روسيا أو الصين. تصريحات بوروشنكو عن الحرب الحقيقية مع روسيا أطلقها الرئيس الأوكراني بعدما عرضت بلاده جنديين روسيين أسيرين قالت إنهما جزء من القوات الروسية المشاركة في الحرب مع الانفصاليين. ولكن هل كشف بوروشنكو سراً لم يكن معروفاً من خلال عرض الأسيرين؟ العالم كله يعرف أن الجنود الروس يقاتلون إلى جانب الانفصاليين. ولكن أوروبا وأمريكا تعرفان أكثر من ذلك بقليل. روسيا تساند حلفاءها في مواجهة الجيش الأوكراني لكنها تحافظ على النزاع في مستوى معين لا يهدد بالتحول إلى حرب شاملة. قادة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يدركون جيداً أن روسيا لا تريد التصعيد. نعم هي ترغب في مساندة حلفائها وترغب أيضاً في إذلال الرئاسة الأوكرانية الحالية لكنها تحافظ على قواعد اللعبة جيداً. ولن تسمح لحلفائها بالتمادي أو توسيع خطوط القتال إلى درجة يصعب التراجع عنها أو تهدد الاستقرار في المنطقة. تجميد النزاع قرار روسي هذا ما يفهمه القادة في العواصم الأوروبية وفي واشنطن. الحرب الجارية حالياً في أوكرانيا هي من أغرب الحروب على الإطلاق، هناك حرب جارية لكن ضحاياها أقل من ضحايا حوادث تصادم السيارات في أي عاصمة في العالم. لا يرى العالم مواجهات كبيرة دامية ولا طوابير نازحين هاربين من مناطق القتال، مجرد اتهامات متبادلة بين الأطراف المتحاربة بانتهاك الهدنة وتصريحات تثور وتهدأ للسياسيين. ليس هذا ما يريده بوروشنكو بالطبع، فالرئيس الأوكراني يريد حرباً واسعة تتدخل فيها جيوش الحلفاء، يستعيد بها شبه جزيرة القرم ويسحق الانفصاليين ويعيد توحيد البلاد ويصبح بطلاً قومياً. لكنه ينسى مسألة بسيطة... الأمور ستظل دائماً هكذا.

مشاركة :