ما أحوج الأمة إلى هؤلاء العلماء

  • 5/22/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

علم الفقه من أهم العلوم الإسلامية، ولا نكون مبالغين إذا قلنا إنه أهم العلوم في هذا الزمن لأنه العلم الذي يبين للناس الحلال والحرام . وهو العلم الوحيد من بين سائر العلوم الإسلامية الذي لم يدخله تحريف أو تزييف، لأنه يقوم على كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويدور حولهما، وفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد . وأصبح علماء الفتوى ينتشرون في شتى بقاع الأرض بينما في الزمن الماضي كان صاحب الفتوى ينتقل من بلدة إلى بلدة ويسافر المسافات الطويلة من أجل معرفة الفتوى . وخرج مسروق من الكوفة إلى البصرة قاصداً رجلاً ليسأله عن آية من كتاب الله، عز وجل، فلم يجد عنده فيها علماً فأخبر عن رجل من أهل الشام فرجع إلى الكوفة ثم خرج إلى الشام في طلبها . ورحل الإمام الحسن إلى كعب بن عجرة في الكوفة يسأله في فتوى تتعلق بفدية الأذى، وروي أن رجلاً قدم من المدينة على أبي الدرداء وهو بدمشق فقال: ما أتى بك يا أخي؟ قال: حديث بلغني أنك تحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أما جئت لحاجة؟ قال: لا . أما قدمت للتجارة؟ قال: لا . قال: ما جئت إلا في طلب هذا الحديث؟ قال: نعم . . فإنني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سلك الله له به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة تضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر" . وهذا معناه أن للعلماء فضلاً كبيراً على غيرهم، وعليهم أن يراقبوا الله في جميع أقوالهم وأفعالهم، وذلك أمر يستدعي أن يكون المفتي بصيراً بما يصلح، له تجارب في شؤون الحياة، رباني النزعة والهدف، إسلامي الظاهر والباطن، يخشى الله ويتقيه ويحاول إرضاءه فيما يقول وفيما يفعل، ولهذا قال صلى الله عليم وسلم: "لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولتماروا به السفهاء وتصرفوا به وجوه الناس إليكم، فمن فعل ذلك فهو في النار" . والعمل بالفتوى أمر عظيم، والإفتاء خطره كبير، لأن صاحب الفتوى يبين للناس ما خفي أمره عليهم، ودائماً يرشدهم إلى الطريق المستقيم . ويكفينا في بيان أهمية الفتوى وعظيم شأنها وبيان فضلها ما تحدث عنه القرآن الكريم، قال تعالى: "ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن . . ." . فالله عز وجل يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم ويخبره بأن الناس يستفتونه في أمور معينة، فكان الرسول هو المبين للأحكام عن الله، وكفى بذلك شرفاً ورفعة، ويتأكد هذا بما جاء في الآية الأخرى في السورة نفسها: "يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة" . وإذا كانت الفتوى هي مهمة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإن المفتين الآن يقومون مقام النبي فيما كان يقوم به من مهام جسام في تبيين ما خفي على الناس وتبصيرهم بأمور دينهم . وسيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يبيّن مكانة الفتوى وعظيم شأنها ورفعة قدرها، فيقول: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، ولكنه يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" . وقد رأينا السلف الصالح، رضوان الله عليهم أجمعين، يعرفون فضل الفتوى وعظيم منزلتها، ومن أجل ذلك كانوا لا يتعجلون الفتوى وإنما كانوا يتريثون فيها، ولم يكن ذلك عن جهل منهم بالأحكام وإنما لتعظيم شأن الفتوى، بل إن البعض منهم كان لا يجيب إلا إذا سأل من يثق فيه ويطمئن قلبه إليه، فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: أدركت عشرين ومئة من الأنصار من أصحاب رسول الله يسأل أحدهم، عن المسألة فيردها هذا إلى هذا، وهكذا حتى يرجع إلى الأول . وثبت عن الإمام مالك رضي الله عنه أنه كان لا يتجرأ على الفتيا أبداً وفي يوم سئل رضي الله عنه في مسألة فقال: لا أدري، فقيل له: إنها مسألة خفيفة سهلة فغضب، وقال: ليس في العلم شيء خفيف . أما سمعت قوله تعالى: "إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً" . لقد كان السابقون مع غزارة علمهم أشد روعاً من بعض المفتين في هذا الزمن، ونسأل الله سبحانه وتعالى ألا يجعلنا منهم، وألا يحشرنا معهم . د: صبري عبد الرؤوف * أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر

مشاركة :