أولاً، وقبل كل شي أهنىء قيادتنا وشعبنا الطيب بحلول السنة الجديدة متمنياً للأردن وللأردنيين أفراداً ومؤسسات عاماً جديداً طيباً مفعم بالانجاز والارتياح.دائماً، هناك مسافة، تطول أو تقصر، بين ما يقوله المرء وبين ما ينقل عنه أو يصل إلى الآخرين، وتاريخياً هذا هو مصدر الإشاعة ، تلك التي جاء الإعلام، في توخّيه للدقة، ليقطع دابرها. وإذا كان ذلك الإعلام قد قطع أشواطاً كبيرة في أماكن كثيرة من العالم، فإنه في بلادنا ما يزال يتعثر في خطوات حَبوِهِ الأولى..!أحياناً، تتعرض بعض تصريحاتي وآرائي للتحليل والنقاش، وللانتقاد والتأييد أحياناً أخرى، وفي بعض الأوقات الاجتزاء، والتحريف، وربما للتوظيف غير الموفق في حالات قليلة. لهذا، آليتُ على نفسي عدم الاشتباك، مع وسائل الإعلام، بالأساليب التقليدية، في النفي والتوضيح أو الردود المباشرة.ما يهمني هنا هو التأكيد على أنّني، دائماً، وفي كل ما يصدر عنّي من آراء، أبتعد عن الاتهامية، أو التشهير، أو الشعبوية، أو التعصب في الأفكار والمواقف حول الأحداث. وعادة ما أقول رأيي بعيداً عن التحيّز، أو الهوى الشخصي، أو حتّى العقائدي.ولعلّ ما سبق من حرص على الموضوعية لم يعد ذو قيمة، في عالم عربي تتهاوى أركان وجوده المادي، فكيف بثقافة وقيم وأعراف التحضّر في تبادل الآراء حول الشؤون العامة، أو حتّى نقل المعلومات المجرّدة للآخرين..! ولسوء الحظّ، أن يكون نصيبنا من التفاؤل قليلٌ، في البلاد العربية، بينما تتراكم في حياتنا مساحات وافرة من الإحباط واللاجدوى، ما يدفع المهتمين بالسياسة والأحوال العامة، قسراً، باتجاهات العزلة والاعتزال..!؟شخصياً، تدفعني تجربتي السياسية الطويلة، دائماً، إلى تحسّس الأخطار القادمة، التي تداهم أمننا الوطني من الداخل والخارج. وهي أخطار مصيرية لا أطمئن كثيراً إلى استعداداتنا لمواجهتها، وتحصين مجتمعنا ضدّها، ما يدفعني إلى التذكير والدعوة إلى ضرورة الانتباه والتحوط والتخطيط لمجابتها مسبقاً. أنا واحد من الناس الذين يكرهون الإنكار في الحياة العامة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. بل وأعتبر أن الإقرار بالواقع كما هو، والتعاطي معه بجدية وصدق، هو أول السياسة الناجحة، وأول الحلول المنتجة أيضاً. وهو ما يؤكّده واقع حياة الناس اليوم، حيث المعلومات والأفعال والأقوال أصبحت متاحة لكل الناس، بالتقنيات الحديثة، وبصرف النظر عن دقتها من عدمها. فمَن ينكر أن واقع أحوالنا الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والسياسية في تراجع مستمرّ..؟ ما حَدا بالقيادة السياسية، وبجلالة الملك عبد الله الثاني، إلى التدخل المباشر مراراً، وإلى تشكيل العديد من اللجان المتخصصة لكشف الأخطاء وإصلاح الأحوال. ولعلّ أهم تلك المحاولات الشاهدة، وأنضجها، هي الأوراق النقاشية الملكية السبع، التي تعتبر معجم وشيفرة الإصلاح الشامل في الأردن وانا في مقدمتي من يدعم جهود جلالته.من المؤسف، أن أقول: أننا غرقنا، كمسؤولين وكمجتمع، في حالة إنكارٍ عامة، لواقعنا وأحوالنا، ولسنوات عديدة. فلم يعد ممكنا إبقاء رؤوسنا في الرمل، اتقاءً للمخاطر، ولعلّ تسمية الأشياء بأسمائها هو أول خطوات الخلاص، ليس بغرض الهدم أو الانتقام أو التشفّي، بل بهدف استخلاص العبر، وتحقيق الإنجاز والإصلاح الحقيقي. ولا يكون ذلك إلا بالانحكام للدستور، وبتطبيقه في حياتنا العامة، نصّاً وروحاً. فنحن في زمن عربي وإقليمي ودولي ليس فيه أحد يحمي أحداً، ولعلّ الأكثر بؤساً هو ذلك الواقع العربي، المتكشّف يوماً بعد آخر، بأنّ الصراع المعقّد المحتدم الآن، هو في جوهره، صراعٌ على الشعوب العربية ومصائرها. فكلّ التحالفات الدولية القديمة والتقليدية لم تعد ضمانة لحماية أحد، كما أكدته أحداث السنوات الأخيرة في عالمنا العربي. فلا حماية لمجتمعاتنا إلى بإصلاح حقيقي لبنيتها وواقعها، وهي الضمانة الأساسية لاستمرار مستقبل وجودها. لا بدّ من الإقرار، الجليّ والواضح، بأنّ المجتمع الأردنيّ قد تغير بشكل جذري. وهذا طبيعي. وهو تغيير حدث بسرعة فائقة، كواحد من نتائج ثورة الاتصالات الحديثة، وللمتغيرات الجوهرية التي حدثت في واقعه وحياته اليومية. تغيير جرى في مجتمعنا من دون محدّدات، فاختلط الحابل بالنابل. ما قاد إلى حقيقة سياسية وواقع جديدين، يتألم ويعاني منهما الفرد والمجتمع معاً؛ فالتزامات الناس تتزايد باستمرار، نتيجة لسوء التخطيط، ما أدّى للبطالة والفقر ولحالة الإنكار التي برزت عند المسؤولين. وما يقال في الجلسات الخاصة، وفي الهمس، وبعيداً عن العلنية، هو أمر خطير، وذلك ما أرفضه جملة وتفصيلاً ولا أقبل التعايش معه، ومهما قلنا أنه كلام في الهواء، ولا تأثير له على حقيقة الوضع، ذلك أن أثره يزداد علانية وحدّة. والسياسة الرصينة والاستراتيجية هي ما تأخذ المكتوم في أحاديث الناس على محمل الجد، لا بالمعنى الأمني، بل بمعنى التخطيط الاجتماعي والسياسي في فهم أحوال الناس والمجتمعات، واستباق المحذور بحلول جذرية منتجة. ومَن يَلحظ ما يحدث في دول الجوار يرى أن هذا هو الطريق العريض الذي ثارت عليه الشعوب، في لبنان والسودان والجزائر وفلسطين، والعراق. أقول ما أقوله، مؤمناً ومتيقناً، بأنّ رؤيةً جديدةً، يقودها جلالة الملك، ويرعاها، بمفهوم عميق لمعاني الانتماء، وسيادة القانون، والنزاهة، والمواطنة، وتكافؤ الفرص، أصبحت حاجة منتظرة من الجميع.
مشاركة :