وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضربة قاضية لأية احتمالات مستقبلية لقيام دولة فلسطينية مستقلة على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس الشرقية ، وبذلك يكون قد قضى على حل الدولتين وانحاز بشكل نهائي وواضح وصريح للمشروع الصهيوني بإقامة دولة يهودية وبقومية يهودية في كامل أراضي فلسطين التاريخية ، وبالتالي فإن أية تبريرات وادعاءات امريكية لاحقة ستصدر عن البيت الأبيض تدعي التزام امريكا بالسعي الجدي لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ما هو إلا محض افتراء وخداع ، بعد ان أضاع ترامب بقراره اي رصيد لبلده لدى العرب والمسلمين ، وحتى لدى أصدقاء أمريكا وحلفائها . والأهم أنه تجاوز على حقوق الشعب الفلسطيني في القدس وفلسطين . ولم تعد امريكا منذ ذلك القرار مؤهلة لرعاية محادثـــات للسلام ، ولم تعد طرفاً محايداً تصلح لأن تقوم بهذا الدور مهما قدمت من مبررات وتفسيرات.وقد لا أكون مبالغاً إذا قلت إن هذا القرار الأمريكي المغامر والمقامر يرتقي في خطورته ورعونته الى ذات اللحظة التاريخية المؤسفة التي سقطت القدس فيها تحت نير الإحتلال البريطاني في أواخر الحرب العالمية الأولى وتحديدا بتاريخ 9 / 12 /1917 ، وقد لا يكون التوقيت والتزامن بين اللحظتين التاريخيتين بريئا بكل ما يحمله من رمزية فائقة الخطورة في معتقدات الشعوب والأمم إسلامياً كان أم مسيحياً أم يهودياً..؟؟!.ولا أستبعد تقصُّد الرعونة التي مارسها الجنرال إدموند اللنبي قائد الجيوش البريطانية وحلفائها بأهدائه احتلال القدس في مثل هذه الأيام للأمة البريطانية بمناسة أعياد الميلاد آنذاك...!!.لقد حاول جلالة الملك عبد الله الثاني خلال الأشهر الماضية شرح أخطار الإعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وكان في منتهى الوضوح والصراحة والجرأة في مسعاه هذا ، فجلالته يعرف بكل تأكيد خطر ذلك ليس فقط على الوضع العام والهش في المنطقة العربية، بل ويعرف تداعيات توقف محادثات السلام للوصول الى تسوية ،والأثر المباشر والمدمر لهذا القرار على الأمن الوطني الأردني وعلى السلم الأهلي.من المعلوم والثابت أن الدولة تفرض سيادتها على عاصمتها . وهذا ما ستدعيه إسرائيل وتسخره لخدمة مشاريعها وسياساتها في القدس ، بمعنى ان ترامب قد اعترف بسيادة اسرائيل على القدس الكبرى التي تستحوذ على نحو 15 % من مساحة الضفة الغربية، مما يعني أن أمريكا دعمت اسرائيل في تغيير وضع هذه البقعة من اراض عربية محتلة إلى أرض إسرائيلية ، مما سيشجع اسرائيل على قضم أراضي فلسطينية أخرى ، وبنفس الطريقة ، بحيث تتحول اراضي الضفة الغربية بالكامل وفي غضون عقدين من الزمن الى اراضي إسرائيلية وبدون ضجيج.وستستند اسرائيل الى وعد بلفور الجديد في تهيئة الأرضية السياسية والقانونية على مدى السنوات القليلة المقبلة لضمها رسمياً إلى سيادتها والى إقرار يهودية الدولة ، ليصبح المواطنين الفلسطينيين مجرد سكان بدلا من أن يكونوا مواطنين ، لتأتي الخطوة التالية بتهجيرهم من أرضهم ووطنهم ، إبتداْ من مواطني القدس .إن الاقرار لسيادة إسرائيل كونها عاصمتها تعني أن المسجد الأقصى أصبح على أرض اسرائيل ويخضع للقانون الإسرائيلي ، ولنا أن نتصور ماذا سيحدث له في ضوء مطالب المتطرفين في الاقصى وفي وصاية الهاشميين وباقي المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس.لقد تلقت اسرائيل عشرات الإنذارات من اليونسكو عن ضرورة وقف انتهاكاتها والمتطرفين للمسجد الأقصى وطموحاتهم بهدمه لأقامة هيكلهم المزعوم . إن قرار ترامب يصب تماما في مصلحة هذه الطموحات الإسرائيلية غير الخافية ، مما يجعل المسجد الأقصى مكشوفا تماما لطموحات المتطرفين.كما أن قرار ترامب سوف يقوي من سيطرة اليمين المتطرف في إسرائيل في أي انتخابات قادمة بعد ان حققوا هذا الانتصار الديني ، وسيكون الأردن في مرمى خططهم وطموحاتهم.إن اعتراف أمريكا بسيادة اسرائيل على القدس كعاصمة موحدة سيجعل الطريق سالكاً أمام اليمين الإسرائيلي للعدوان على الأردن باعتبار أن الأردن هو فلسطين ، ولا يمكنني إطلاقاً التغاضي عن ارتباط قرار نقل السفارة مع الرسالة التي حملها المؤتمر الذي عقد قبل أسابيع قليلة في حيفا وحضره ثلاثة أشخاص نكرات قيل إنهم أردنيين ، فقد كان هذا المؤتمر العلني أحد الخطوات التي يؤسس فيها اليمين الاسرائيلي المتطرف لخططه بتهويد كامل أراضي الضفة الغربية واعتبار الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين.لقد حذرت مراراً من استعداد اسرائيل لتنفيذ المرحلة الثالثة ( الأولى إنشاء الدولة ، الثانية جعل القدس عاصمة الدولة ) من مشروعها الصهيوني ، وها نحن اليوم أصبحنا تماماً على عتبات فتح هذا المشروع بعد ان اكتملت أركانه بالقرار المقامر والمغامر للرئيس ترامب.والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة اليوم هو كيف سنواجه الإنحياز الأمريكي المفتوح لإسرائيل وتجاهله التام للشعب الفلسطيني ولحقوقه ولمقدساته، وهل لدى العرب والفلسطينيين ما يمكنهم فعله في هذا الجانب.نعم ، لدى العرب الكثير من أدوات الضغط والقوة. ولكنني لن أذكرها في هذا المقال إلا إذا تأكد لي أن هناك الإرادة السياسية الحقيقية لتبني تلك الإفكار . بعد قرار نقل السفارة وردود فعل الشارع العربي ودول العالم ، أصبح إستثمار هذا الوضع بشكل أكثر فائدة لتغيير وضع الاحتلال . وسيكون مؤتمر القمة الاسلامي الذي دعا إليه الرئيس السيد رجب اردوغان في اسطنبول هذا الاسبوع ستكون مناسبة لاتخاذ موقف اسلامي واضح وصريح حول قرار ترامب
مشاركة :