عبد اللطيف الزبيدي ما حدود سلامة العربية؟ المتعصّبون بلا حدود للقواعد وأساليب القدامى، بدعوى أنها الأصالة، لا يدركون أن القضية ليست إمّا أبيض وإمّا أسود، أو كالحدّ الفاصل الفيصل بين الكفر والإيمان. هؤلاء غالباً ما يأخذون الأمور بالجملة، ولا يتفكّرون في المفارقات. مثلاً: تلك المقولة البسيطة: «خطأ شائع خير من صحيح مهمل»، قد يراها المتشددون خطراً على اللغة، بينما تلوح لغيرهم فرصة للتحرّر من القيود الصارمة.هذه جولة طريفة، لا يريد القلم بها الإساءة إلى الانضباط اللغوي، أو حفر هوّة بين الماضي والحاضر. اللغة كائن حيّ ينمو ويتغيّر مثلنا، فنحن لا نشبه أجدادنا. اللغويّ العراقيّ الراحل د. مصطفى جواد، صاحب «قل ولا تقل»، يلوح اليوم، للأسف، مغرّداً خارج السرب. لا مجال هنا لشرح الأسباب في النماذج، فالجزءان موجودان للتنزيل (بي.دي.أف):فلان مؤامر لا متآمر. سيقول السامع: ذهبت أيّام العربية. قل وقف في المستشرف لا في الشرفة. لكنه يضيف: «وقف في المستشرف أو الروشن أو الجناح»، كيف تجيز الروشن وكلمة «روشن» فارسية تعني المضيء المنير؟ حتى الجناح غير مناسب، لكن لا جُناح على اللغويّ الرائد. ويقول: قل جدب المعاهدة واستقبحها، لا شجبها. لو نطق بها أحد لقيل إنه «أجدب». وماذا عن: فلان مغترض لا مغرض؟ وكيف يجرؤ مقدم برامج على القول: نذيع بينكم الشيء الفلاني بدلاً من نذيع عليكم؟ سيقال عنه: انظروا مذيعي آخر الزمان، أعيدوه إلى الابتدائية. الدكتور يوصي بعدم القول: فلان يتفانى في خدمة الوطن، فالصواب أنه يودّ أن يفنى في خدمته. تفانى مثل تباكى.كم عدد مراكز البريد في العالم العربي؟ قل للناس لا تقولوا: ركن «هواة جمع الطوابع» فهؤلاء «هَوُو طوابع»، وهذا «هَوِي طوابع». سيلوّون رؤوسهم: «براذر، وير آر يو فروم؟» تخيّل جمعاً من الأدباء العرب في منتدى، وإذا بأحدهم يقول في مداخلة: «سأنقد على فلان قوله، وأنتقد عليه ما قال»، سيقال: واعربيتاه! حتى أنت أيها الأديبوس المثقفوس؟ فينهض أحد الأعلام للدفاع عنه: إنه أستاذ ذو كفاية، فيصيح به أحدهم: قل ذو كفاءة. مصطفى جواد يقول: لا تقل ذو كفاءة. ولا تقل متفوّق قل فائق. فيضحك منه آخر: وما لك نمت عن الفصحى يا «فائق»؟ أفق خفيف الظل. ويوصي الدكتور: قل رجعتُ الكتاب إلى صاحبه، ولا تقل أرجعت. لزوم ما يلزم: النتيجة الكاريكاتورية: إذا غادرتَ مجلساً، فلا تقل سأستقل سيارتي، لأن ذلك يعني أنك ستحملها. بطل أثقال ما شاء الله. abuzzabaed@gmail.com
مشاركة :