أسعدني الحظ حين تواصلت مع الأستاذة (ماهي قطب) المستشارة السياحية لمصر في كل من جنيف السويسرية وشيكاغو الفيدرالية. اكتشفت أنها اطلعت على بعض مقالاتي التي تحتفظ بها مواقع التواصل الاجتماعي. سألتني «لماذا توقفت عن الكتابة؟». بصراحة لا أحب أن أدون ذكريات تبث الكثير من الشجن واليسير من الأمل. لكني أخيرا قررت أن أعاود الكرة بناء على نصيحة الأستاذة (ماهي) المهتمة بتوسيع نطاق الوعي بالثقافة السياحية. لا تعرف اللغة العربية مثل المتنبي الشاعر العبقري «على أي جانبيها تميل؟!» في زمن المتغيرات المتسارعة التي تزيد من تحديات الحاجة الماسة إلى ضرورة التجديد والإبداع اللغوي لمواكبة التحولات العلمية والقفزات التكنولوجية التي يعيشها عالمنا المعاصر، والتي تجعل لغتنا العربية الثرية أمام تحديات متواصلة لإبداع صياغات ومفردات ومصطلحات لغوية يسيرة ومعبرة بدقة حصيفة عن الظواهر الجديدة في ميادين العلوم والتقدم التكنولوجي من ناحية, وعالم الآداب والفنون والإبداع عموما من ناحية أخرى. وتلك لعمري مهام بالغة المشقة والعنفوان أمام مجامع اللغة العربية في كبريات العواصم العربية التي ندعو إلى دعمها بقوة لمواصلة رسالتها الحضارية البالغة الأهمية, وفي الوقت ذاته ندعو عموم المثقفين والمفكرين والمبدعين العرب إلى المساهمة بفاعلية في مواجهة هذا التحدي الحضاري, وعدم ترك مهمة التجديد اللغوي والاصطلاحي المواكب لمتغيرات وتحولات هذا العصر على عاتق مجامع اللغة العربية بمفردها, وهذا ما يرتب ضرورة تعزيز التعاون المثمر والبناء بين الجانبين. في هذا السياق كنت أطالع بعض الصحف السيارة وتيار الإعلام المتدفق فلاحظت أن لغتنا العربية الأصيلة تتلقى, أحيانا، طعنات غادرة الواحدة تلو الأخرى. وعلى سبيل المثال جاء في صحيفة مثل: «المصري اليوم» القاهرية أن المحرر قد دون أن وزير المالية قد قرر «إتاحات مالية».. وتذكرت أنني حين كنت طالبا في المرحلة الثانوية قد درسنا قانون «الإزاحة» الذي اكتشفه أرشميدس أو فيثاغورس, وبالطبع ليس المقداد بن عمرو. أفيدونا يا سادة كيف نفسر فقه «الإتاحة» ومن دار في فلكها من علوم. فما هي الإتاحة المالية الغامضة التي تبشرنا بها وزارة المالية. على شاشات التلفاز؟! من جانب آخر, ذات مرة, وقف وزير الآثار الشاب يشرح للسيد رئيس الجمهورية مقتنيات متحف سوهاج الوطني والكنوز التي يضمها صعيد مصر. وفجأة دوت كلمة «توعوي» ضمن حديث وزير الآثار فظننت أن الإرسال الوافد من مصر العليا قد أصابته وعكة عبر موجات الأثير. لكن بعد تدقيق تبين أن اللغة العربية قد طرأت عليها مصطلحات مستجدة ما بين «إتاحة» و«توعوي» التي لن أدرك معناها أبدا! يقال إن يوليوس قيصر قد غطى وجهه حين اكتشف أن (بروتوس) الذي تبناه كان ضمن فريق الاغتيال الذي استحل دمه على عتبات الكابيتول في روما. اكتشفت في مكتبات القاهرة كتابا صدر مؤخرا يشرح وسائل التخلص من الوزن الزائد وقد اختار له مؤلفه عنوانا سخيفا فلا أدري أين توارى الذوق العام. لو أخفق المؤلف في اختيار العنوان ألم يكن من الأجدر أن يقوم الناشر أو مدير تسويق الدار بانتقاء عنوان ينم عن الذوق الرفيع والحس الأدبي الذي اغتيل تحت ضربات (بروتوس) الغادرة. ولما كانت المصائب لا تأتي فرادى فلقد اطلعت في صفحات «المصري اليوم» بتاريخ 18أغسطس (2018) على تغطية صحفية تناولت أنشطة وفتوحات المسرح المصري - الذي يعاني من طعنات أقسى مما نالها قيصر على يد ربيبه بروتوس - مشيرة إلى روائع مذهلة. بطبيعة الحال أنا عاشق للمسرح المصري بملهاته ومآسيه فلا مانع من أن أهدي السيد رئيس المسرح أسماء رائعة يمكن أن يضيفها إلى مسرحية (المعجنة) التي ينوي أن يتحفنا بها على خشبة المسرح القومي قريبا بإذن الله. ما رأي السادة القراء وعشاق الفنون والموسيقى والأوبرا التي ترعرعت في جنباتها وزيرة الثقافة في أسماء رشيقة وأنيقة لعناوين مسرحية مثل (المهمشة) وكذلك (المفرخة) وربما (المخمخة). نحن نحسد وزيرة الذوق الرفيع على الطابونة الأفرنجي أو البلدي التي سوف يتحفنا بها عميد المسرح القومي وربما زود جمهور وعشاق الفنون والآداب في مصر بباقة من الخبز الحافي والجبن القريش مع قطرات من زيت الزيتون المصفى وزخات من الزعتر وربما رشات من حبة البركة حتى تكتمل المتعة على نغمات الناي السحري الصادرة من جنبات المسرح الوطني العتيق. ولا يسعنا في نهاية المطاف سوى أن ندعو للسادة المسئولين عن الوعي العام والذوق المرهف وبدائع الإعلام بأن نقول لهم طوبى للحكائين.. وتلك رواية أخرى!
مشاركة :