تغيرت الخريطة السياسية بشكل كبير في المملكة المتحدة بعد الانتخابات الأخيرة، التي كشفت عن تصويت المقاعد التقليدية لحزب العمال في شمال إنجلترا لصالح المحافظين في سابقة لم تحدث من قبل، وفقدان حزب العمال لشعبيته في الشمال بعد أن فقدها في اسكتلندا، وهو ما يعني أن رئيس الوزراء، بوريس جونسون، قد يحكم البلاد دون معارضة. وخسر حزب العمال قبضته على مجتمعات التعدين السابقة ومقاطعات ما بعد الصناعة، التي صوت الكثير منها لمغادرة الاتحاد الأوروبي في استفتاء عام 2016. وفي هذه الانتخابات، أصبح من الواضح أن وعد جونسون «بإنهاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي» قد كسر بشكل حاسم الولاءات القبلية القديمة التي كانت ثابتة منذ أجيال، وفقاً لمجلة «فورين بوليسي»، التي أوضحت في تحليل لها أن إعادة تشكيل الخريطة الانتخابية تعني أن جونسون يمكنه أن يحكم بفعالية دون معارضة.ولكن كما اعترف في خطاب النصر الانتخابي، أمام داونينج ستريت بعد ظهر يوم 13 ديسمبر الجاري، يمتد ائتلاف حزب المحافظين الآن «من ووركينج إلى ووركينجتون»، على طول الطريق من المحافظين الأثرياء التقليديين في جنوب إنجلترا إلى مدن العمال والكادحين في شمال البلاد. وعلى الرغم من أن هؤلاء الناخبين المتباينين قد يكونون متحدين بشكل سطحي بنظرة عالمية محافظة اجتماعياً ورغبة قوية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلا أنهم منقسمون بمصالح اقتصادية معارضة بشكل أساسي: فالأولى تميل إلى تفضيل التخفيضات الضريبية، بينما يميل الأخيرون إلى الاعتماد على دولة الرفاهية والدعم الاجتماعي والإنفاق. وحزب المحافظين هو أيضاً موطن المانحين الماليين الأثرياء والسياسيين التحرريين. لذلك بمجرد أن تبدأ تهدئة نشوة هذا الفوز، سيتعين على جونسون ابتكار طريقة لإرضاء العديد من المصالح المتنافسة التي يخدمها حزبه الآن. ورغم كل شيء، دعم أنصاره الجدد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016، لكنهم فعلوا ذلك على ما يبدو على أمل أن يؤدي ذلك إلى لحظة من التجديد الوطني، كما وعد جونسون وحلفاؤه في حملة الخروج. وأقام حزب المحافظين تحالفاً انتخابياً للمعاملات، وإذا فشل جونسون في الوفاء بوعوده، فليس من المفاجئ أن يرى هؤلاء الناخبين وهم يبتعدون عنه في انتخابات عام 2024 بنفس الطريقة التي هجروا بها حزب العمال في 2019. وأقر جونسون بنفسه بأن هذا الأمر قد يحدث، وقال في خطابه بعد إعلان النتائج مخاطباً ناخبي حزب العمال الذين صوتوا للمحافظين «لن نأخذ أبداً دعمكم كأمر مسلم به». وإذا كان هذا صحيحاً وكان لدى جونسون رغبة جادة في الإبقاء على هذا الائتلاف الانتخابي المنقسم، فسوف يحتاج إلى إقناع كل من قاعدة حزبه والأغلبية الساحقة من نوابه بالتخلي عن أيديولوجيتهما لصالح برنامج اقتصادي يدعم الجميع. وقد يضطرون حتى إلى قبول علاقة أخف بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مع بروكسل، حيث إن هذه الدوائر الانتخابية التي من المرجح أن تكون الأكثر تضرراً من رحيل بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي. كما أصبح واضحاً في الأسبوع الماضي، لم يعد الناخبون من الطبقة العاملة يثقلون بالولاءات الحزبية. وقبل عامين فقط، دعموا حزب العمل لحرمان المحافظين من الأغلبية البرلمانية. والوضع الحالي في المملكة المتحدة أمر فريد ولم يشهده التاريخ البريطاني من قبل، فالناخبون الموالون لحزب العمال وخاصة في الشمال طالما دعموا الحزب وآمنوا بمبادئه، لكن ما حدث في الانتخابات كان له مؤشران في منتهى الأهمية: الأول أن شعبية العمال في اسكتلندا تآكلت بل تكاد تكون قد انتهت، وشعبيته في شمال إنجلترا في طريقها للزوال إذا لم يعمل الحزب على استعادة شعبيته وتبني سياسات أكثر واقعية. وثاني المؤشرات هو أن بوريس جونسون مقبل على فترة تشبه «الديكتاتورية» بمعنى أنه سيحكم البلاد دون معارضة حقيقية، وخاصة أن حزب العمال لايزال يبحث عن زعيم وجريمي كوربين رجل فقد صلاحيته وفقاً لأعضاء الحزب، أما باقي الأحزاب فلا أهمية لها في وجه الأغلبية الكاسحة لحزب المحافظين.
مشاركة :