ذكرى استفاقة متأخرة

  • 5/22/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

قبل 5 سنوات، استفاق العالم متأخراً كعادته في أشياء كثيرة، على أهمية تخصيص صندوق لحماية التنوّع البيولوجي Biodiversity. على كل حال، جاء التأخر في الاستفاقة منسجماً مع أجواء الخيبة التي رافقت قمة البيئة «كوب 16» COP 16 في مدينة «كانكون» المكسيكية. إذ فشلت القمة في أمور كثيرة من بينها الفشل في التوصل إلى توافق حول اتفاقية ملزمِة لخفض غازات التلوّث. وبمعنى ما، بدت القمة كأنها تنقذ ماء وجهها عبر تأسيس صندوق لدعم التكيّف في مواجهة الاضطراب في المناخ، مع تخصيص جزء أساسي من الأموال لحماية التنوّع البيولوجي. وبصورة سريعة، من المستطاع الرجوع بالخلافات حول التنوّع البيولوجي والمناخ إلى «قمة الأرض» التي عقدت في مدينة «ريو دي جينيرو» في البرازيل. جاءت تلك القمة في مناخ رائق. إذ كانت الحرب الباردة انتهت لتوّها. وحضر الرئيس الأميركي الجمهوري جورج بوش (الأب) القمة، بوصفه ممثلاً لعالِم جديد محمّل بالآمال. على رغم ذلك، رفض بوش بعناد الاعتراف بوجود ظاهرة الإحتباس الحراري أصلاً! (مازال الجمهوريون على ذلك العناد لحد الآن، إلى حدّ أن عضواً جمهورياً في الكونغرس، رفض اعتبار علوم الأرض...علوماً). وحينها، أحضر بوش معه خبراء أميركيين في البيئة، قدّموا نماذج محاكاة افتراضية على الكومبيوتر للمناخ، كي «يثبتوا» أن الارتفاع الحاصل في حرارة الأرض، والارتفاع في مستوى غازات الميثان وثاني أوكسيد الكربون وأول أوكسيد الكربون، لا يبرهن على ظاهرة الإحتباس الحراري. واختتمت «قمة الأرض» الأولى على اتفاقية لحماية التنوّع البيولوجي في البيئة، لكن الكونغرس لم يقرّها أبداً. في تلك القمّة، ألقى اختصاصي البيئة إريك تشيفان، مؤسس «مركز الصحة والبيئة العالمية» في «جامعة هارفرد»، ومديره أيضاً، إضافة لكونه حاصلاً على جائزة نوبل للسلام للعام 1985، محاضرة عنوانها «كيف تعتمد صحتنا على البيئة»، حضرتها مجموعة من علماء البيئة. ولخّصت المحاضرة آراءه عن حال البيئة حاضراً، خصوصاً في التنوّع البيولوجي. وكذلك تضمّنت المحاضرة ملخصاً عن آرائه التي عرضها تفصيلياً في كتابه «استدامة الحياة: كيف تعتمد صحة الإنسان على التنوّع البيولوجي» Sustaining Life: How Human Health Depends on Biodiversity، الذي يعتبر التقرير الأكثر شمولاً عن العلاقة بين صحة الإنسان والبيئة البيولوجية بأنواعها كافة. استلاب وتغريب في محاضرته التي ألقاها في القمة المذكورة، رأى تشيفان أن الإنسان أصبح منفصلاً تماماً عن البيئة والعالم الطبيعي الحيّ، ويستغل موارد البيئة استغلالاً جائراً يفتقد إلى العقلانية والتحوّط. وأضاف: «يتعامل البشر مع البيئة كأنها مصدر لموارد غير محدودة ولا تستنفد أبداً، ما يعرض أنواع الكائنات الحيّة، جميعها للخطر. وأشار إلى أن نتائج فشل الإنسان في فهم أهمية التنوّع البيولوجي وتأثيره على صحة الإنسان، يعتبر أعظم مشكلة بيئية على الإطلاق، مُشيراً إلى أن ثلث الكائنات الحيّة معرض للانقراض. وأشار إلى أن كتابه «استدامة الحياة...» يمثّل «موسوعة» علميّة حول التنوّع البيولوجي وأهميته في استدامة الحياة، وهو يصب في إطار جهود نشر الوعي العام بأهمية التنوّع البيولوجي. وأكد أنه اهتم بتقديم محتويات الكتاب بلغة سلسة لتتيح لصُنّاع القرار عالميّاً، اتخاذ قرارات تتناسب مع التدهور المستمر في أوضاع البيئة، وكذلك مساعدة السياسيين في وضع سياسات تساعد على صيانة التنوّع البيولوجي وحمايته، استناداً على معلومات واقعية ومفهومة. وأوضح أن البحوث المنشورة في الكتاب تقدم أمثلة عن كائنات حيّة يمكن أن تكون لها أهمية كبيرة في مجال صحة الإنسان عبر استخراج مواد معيّنة من تلك الكائنات، تساهم في صنع أدوية لعلاج أمراض معينّة. ولفت إلى أن الاستغلال المفرط للكائنات المفيدة طبياً، ربما ساهم أيضاً في فقدان التنوّع البيولوجي. ودعا العلماء إلى استخدام عينات بسيطة لمعرفة مكونات وخصائص المواد الموجودة داخل الكائنات الحيّة، موضحاً أن اعتماد تلك المقاربة يساهم في عدم استهلاك أي مصدر طبيعي بشكل جائر يهدد وجوده. وأوضح تشيفان أن معرفة الإنسان بخصائص الكائنات الحيّة تقتصر على 10 في المئة مما يتوافر منها طبيعياً. وعلى رغم ذلك، تمكّن الإنسان من الحصول على فوائد لا حصر لها من تلك الكائنات. واستطرد بالقول: «تظهِر تلك الحقيقة خطورة فقدان التنوّع البيولوجي. هناك أمثلة واضحة تعطي براهين قوية على خطورة فقدان التنوّع البيولوجي... ففي إحدى المقاطعات في النيبال، أدّت عمليات التلقيح التي يجريها البشر إلى انقراض النحل. وتكون الخسارة مُضاعفة، لأن الأمر يستلزم جهد 25 فرداً كي يجري تلقيح 100 شجرة تفاح، فيما لا تحتاج هذه العملية نفسها طبيعياً إلا لجهد نحلتين»! الضفادع والقرحة قدّم تشيفان مثالاً آخر عن خطورة فقدان التنوّع البيولوجي مع ما يمثّله من فقدان لموارد طبيعية يمكن أن تساهم في تحسين صحة الإنسان. إذ تحدث عن أحد أنواع الضفادع البرمائية التي تلِدْ من طريق الفم لأن تركيبتها تتضمن مادة تمنع امتصاص البويضات داخل المعدة. وأشار إلى أنه لولا انقراض نوعيّ الضفادع التي تتمتع بتلك القدرة المذهلة، لساهمت تلك المادة في بحوث طبية لمواجهة مرض فرط إفراز الحمض في المعدة لدى الإنسان، الذي يزيد من مخاطر الإصابة بالقرحة المعويّة. وتحدث تشيفان عن مجموعة من الكائنات الحيّة التي يمكن أن تساهم في اختراع أدوية تساعد في تحسين صحة الإنسان. وأوضح أن ذلك يشمل البرمائيّات بأنواعها كافة، والدب القطبي، والقواقع المخروطيّة. وقال: «هناك نوع من البرمائيات يتمتع بمادة مُركّبة تستطيع قتل الميكروبات بفعالية موازية لما تقوم به مُضادات الحيوية («أنتي بيوتيك» Anti biotic). وتستطيع تلك المادة وضع حدّ لظاهرة المقاومة التي تظهرها الميكروبات مُضادات الحيويّة. وبديهي القول أن تلك المادة الشافية تستطيع المساهمة في تقدّم البحوث طبياً. وقدّم تشيفان مثالاً آخر، هو نوع من ضفادع الطين يتمتع بالقدرة على إفراز مادة صمغية عند مهاجمة الحشرات له، إذ تلتصق بها الحشرات فلا تتمكن من الحركة! وأشار تشيفان أن ذلك الصمغ الطبيعي، إذا جرى التعرف على مُكوّناته، يفتح الباب لصنع مواد بيولوجية لسد الجروح، عبر تقريب أنسجة الجرح بصورة طبيعية، ما يساعد جسم الإنسان على تسريع تكوين نسيج طبيعي يسد الجرح.

مشاركة :