أعاد التدخل التركي في ليبيا المخاوف الدولية إلى الواجهة من تكرار السيناريو السوري في الملف الليبي في ظل المعركة الحامية بين الجيش الوطني الليبي والميليشيات المسلحة التي تسيطر على العاصمة طرابلس. وقال إبراهيم كالين المتحدث باسم الرئاسة التركية، الثلاثاء، إنه ربما يتعين على تركيا إعداد مسودة قانون يتيح إرسال قوات إلى ليبيا وإن برلمانها يعمل على هذه المسألة وذلك بعد توقيع أنقرة على اتفاقية للتعاون العسكري مع طرابلس الشهر الماضي. وأضاف كالين في أنقرة بعد اجتماع لمجلس الوزراء أن تركيا ستواصل تقديم الدعم اللازم لحكومة فائز السراج التي مقرها طرابلس. وذكر تقرير لخبراء من الأمم المتحدة اطلعت رويترز عليه الشهر الماضي أن تركيا أرسلت بالفعل إمدادات عسكرية لحكومة السراج رغم حظر تفرضه الأمم المتحدة على إرسال أسلحة لليبيا. وحذرت الولايات المتحدة القيادة الليبية من فتح الأبواب أمام الاستغلال الأجنبي، في إشارة على ما يبدو لمذكرة التفاهم الأمني والعسكري بين أنقرة وحكومة الوفاق التي يقودها فايز السراج، إضافة إلى تعهدات تركية بإرسال قوات إلى طرابلس. وقالت السفارة الأميركية في ليبيا في تغريدة على تويتر إن "الولايات المتحدة تظل ملتزمة بسيادة ليبيا وسلامة أراضيها. يجب على الأطراف الليبية وقف التصعيد واتخاذ خطوات جادة نحو حل الصراع". وأشارت في نفس التغريدة إلى أنه "حان الوقت للقيادة الليبية الشجاعة لحماية الاستقلال بدلا من فتح الأبواب للاستغلال الأجنبي". ويتزامن التصريح الأميركي الجديد مع تحركات تركية صوب موسكو من أجل بلورة اتفاق مع الروس بشأن التدخلات التركية، إضافة إلى وجود مخاوف روسية حقيقية من نقل السيناريو السوري إلى ليبيا بعد تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن إمكانية التدخل العسكري لصالح الميليشيات في طرابلس. ويعمل الجيش الليبي على استعادة طرابلس من سيطرة الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية. وبدأ عملية عسكرية حاسمة لاسترجاع العاصمة الليبية. وقالت وزارة الخارجية الروسية، الثلاثاء، أنه تم التوصل إلى اتفاق مع تركيا بخصوص مواصلة المحادثات بشأن الأزمة الليبية. وأفاد البيان بأن ممثل الرئيس الروسي في الشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف ترأس وفد بلاده خلال المشاورات، فيما ترأس الوفد التركي نائب وزير الخارجية سدات أونال. ويقول النظام التركي إنه ناقش مع الروس احتمال نشر قوات تركية في ليبيا والدعم العسكري التركي لطرابلس بعد أن وقع البلدان اتفاقا مثيرا للجدل الشهر الماضي. وأعربت روسيا عن قلقها العميق بشأن احتمال نشر القوات التركية. وكان أردوغان قد صرح الأحد الماضي أن أنقرة قد تزيد الدعم العسكري لحكومة الوفاق. ويعتبر مراقبون أن التدخل التركي في ليبيا يعتبر تحديا لروسيا خاصة في ظل تقارير عن وقوفها إلى جانب الجيش الوطني الليبي، رغم نفيها العلني لذلك بالتصريحات والبيانات، وأن هذا التحدي قد يدفع إلى توتر في العلاقات الثنائية في ملفات أخرى خاصة في الملف السوري. وتأتي التحركات التركية في ظل مخاوف إيطالية من تكرار نمط مشابه للنمط السائد في سوريا، وقال وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، الثلاثاء" إن "الوضع في ليبيا أصبح يشبه الوضع في سوريا، إذ نشهد حربا أخرى بالوكالة تقلقنا"، وفقا لما نشرته وكالة الأنباء الإيطالية اكي. وتابع "نحن نعمل بلا كلل، تواصلت في الساعات القليلة الماضية مع كل وزراء الخارجية المهتمين بهذه الأزمة، الوزراء الأوروبيون وغيرهم". وأعلن وزير الخارجية الإيطالي، عن تحضيرات لمهمة أوروبية إلى ليبيا بقيادة الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمنية، جوزيف بوريل، صحبة وزراء خارجية دول أوروبية. وتقلق أطماع أردوغان المتزايدة للسيطرة على ليبيا أوروبا رغم تباين مواقف عدد من دولها من الأزمة الليبية، وهو ما أكدته زيارة وزير الخارجية الإيطالي لويجو دي مايو يوم الثلاثاء الماضي إلى ليبيا حيث التقى رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج والمشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي. ويرى محللون أن موقف تركيا من الأزمة الليبية ينطلق من محفزات عقائدية عمادها دعم الإسلام السياسي في المنطقة والاعتماد على جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الرديفة لبناء سياسة التمدد التركي في المنطقة. ويضيف هؤلاء أن تركيا تسعى لإيجاد ركيزة سياسية وعسكرية في ليبيا تؤمّن لنظام حزب العدالة والتنمية مصالحه داخل دولة نفطية مثل ليبيا، ويؤمّن لأنقرة ذريعة من خلال مذكرة التفاهم مع حكومة السراج، لفتح معركة مع منظومة بلدان البحر المتوسط بشأن سوق الغاز الواعد في المنطقة. وبات الوضع في ليبيا من الخطورة بحيث لن تبقى الدبلوماسية بين روسيا وتركيا رمادية تدّعي التعاون. ولم يستبعد محللون دخول البلدين في مرحلة تشبه ما يجري بينهما في سوريا، حيث تسلّم تركيا لروسيا بأولوية أجندتها هناك، وأن إعراب روسيا عن القلق من التدخل العسكري التركي في ليبيا يمثل إنذارا لأنقرة سيفهمه أردوغان كما فهمه قبل ذلك في سوريا.
مشاركة :