اعترف بأن أخلاقي صارت أكثر سوءا خلال العشرين سنة الماضية، ولكن ليس بمعنى انني انحرفت وصرت سيئ السيرة والسلوك، بل بمعنى انني صرت اكثر عصبية واكثر قابلية للانفعال والغضب، حتى عيالي صاروا يشكون من انني صرت بركانا نشطا «على الهبشة» أي أنفجر في وجوههم من دون أسباب وجيهة، وأغضب لأمور لم تكن تغضبني فيما مضى، فما الذي جرى لي وقد كنت أتحلى بطول البال وكظم الغيظ؟ إذا قال لي أحدكم عبارة سخيفة مثل «عامل السن له دور» فيا ويله، فحتى لو افترضنا انني تقدمت في السن إلى حد ما، فالمنطقي ان اكون اكثر صبرا وسعة صدر، وحلما وأقل قابلية للاستفزاز. والاجابة عن هذا السؤال في تقديري هي ان الجميع من حولي صاروا عصبيين وشديدي التوتر والقلق، فلم يعد الكبير يفترض ان الصغار سيعاملونه باحترام ولم يعد الصغار يحسون انهم ملزمون باحترام من يكبرونهم سنا، لأنهم لا يحسون بأن الكبار يعاملونهم بالرفق اللازم، وفي الشارع يحسب كل سائق سيارة ان الحكومة رصفت الطريق خصيصا من أجله، ولكنه في ذات الوقت يعتقد ان هناك عناصر في الحكومة تتعمد مضايقته بنصب اشارات مرور مبرمجة خصيصا لمضايقته والحد من انطلاقه بالسيارة، ويتعامل مع الآخرين من سائقي السيارات على أنهم أعداء، وفي المستشفيات يعتقد كل مريض ان من سبقوه إلى مقابلة الطبيب «عندهم واسطة»، وإلا لكان هو أول من يقابل الطبيب، والطبيب نفسه لا يعرف مدى معاناتي من تساقط الشعر الذي قد يكون ناتجا من سرطان فروة الرأس ويقضي وقتا طويلا مع أشخاص يعانون من أمراض بسيطة مثل التهاب الزائدة الدودية أو الفشل الكلوي، والصيدلي يوزع الأدوية على أناس هلافيت بينما انا «بجلالة قدري» أقف أمامه منذ عشر دقائق، وربما يريد مني أن أقف في الطابور أمام سيادته كما يفعل العوام، وباختصار صار كل واحد منا يعتبر ان الله لم يخلق مثله في العباد وأنه أولى من غيره بالخدمات والامتيازات، وصرنا جميعا نبرر الزهج وفقدان الاعصاب بأننا «ما عندنا وقت»، وبموازاة ذلك لم يعد هناك حس اجتماعي أو مسؤولية اجتماعية، حتى داخل المسجد تجد من يصيح في وجهك عندما تدوس طرف ثوبه غير عامد وأنت تبحث عن مكان تجلس أو تقف فيه: عميان انت؟ تخيل انك قلت له نعم عميان، وفيما مضى من الزمان كانت مثل تلك الاجابة كفيلة بجعل الشخص الغاضب يتمنى لو تنفتح الارض وتبتلعه ولكن في ايامنا هذه قد يقول لك: الله لا يشفيك! (أذكر ذلك الذي اتصل بالشيخ السعودي عبدالله المطلق خلال برنامج تلفزيوني وشكا من ان عمالا آسيويين يؤمون المساجد بينما تفوح منهم روائح العرق الكريهة وقال إنه يقترح منعهم من دخول المساجد، فكان رد الشيخ الرائع: الله يرحم لما كنا أنا وأبوك وأبناء جيلنا حتى قبل سنوات قليلة ندخل المساجد والقمل يسرح في شعر رؤوسنا وملابسنا). الشاهد هو ان الغضب صار وباءً، والشاهد هو ان الوباء أصابني لسبب بدهي وهو ان سوء الخلق كما حسن الخلق «مُعدٍ»، أي ينتقل من انسان إلى آخر، فإذا كان أفراد المجتمع -بصفة عامة- يتحلون بالصبر والتحمل ومعاملة الآخرين بالكلمة الطيبة فإنك لا ترضى لنفسك ان تكون شاذا وتحرص على مجاراة الغالبية في حسن السلوك، أما عندما يرى الصغار الكبار وهم يشتمون الآخرين بأوسخ الألفاظ فإنهم -أي الصغار- سينشأون وهم يعتقدون انه من الطبيعي ان يسيء الناس الأدب مع بعضهم البعض، وكما اعترفت في صدر هذا المقال فإنني مصاب بعدوى النرفزة ولكن ما ينرفزني أكثر هو ان ضميري يؤنبني كلما انفعلت وثرت في وجه شخص آخر ولا اتردد في الاعتذار له، ثم يقابل ذلك الشخص اعتذاري بالاستخفاف بل والرفض، فازداد نرفزة.
مشاركة :