نعم هناك موجة غضب وبائية تجتاح مجتمعاتنا، ولا يكاد يمر يوم من دون ان ينفجر شخص في وجهك أو تجد نفسك طرفا في فاصل ردح وشتائم مع شخص لا تعرفه، وقد يكون ذلك الشخص بائعا في محل بيرغر اعطاك سندويتش دجاج بدلا من اللحم، وهذا خطأ بسيط وكلنا نخطئ، وحدث في أرقى البلدان استئصال كلية شخص بدلا من قدمه المصابة بالغرغرينا، وكتبت من قبل عن تجربة سخيفة مررت بها وكنت أعاني من ورم بسيط ولكن مؤلم في البطن «دُمَّل» وعرضت نفسي على جراح أعرفه في مجمع طبي به أطباء من كل التخصصات تقريبا وتمت ازالة الورم وصرت مطالبا بالعودة إلى العيادة مجددا لتنظيف الجرح، وعندما جلست أمام الجراح فتح ملفي وانفجر ضاحكا، وفكرت في بادئ الأمر في أن أصفعه أو أغادر العيادة، ولكنني فوجئت بانتقال عدوى الضحك إلي وضحكت بشدة وأنا لا أعرف السبب، ولكن الجراح ظل يشير إلي بإصبعه وقد انقلب ضحكه إلى هستيريا، وخلال ثوان معدودة كان ضحكي قد انقلب إلى غضب مزمجر ومدمر: كيف يضحك طبيب على مريضه؟ وما المضحك في ان يصاب شخص ما بورم أو خراج أو دمل في أي جزء من جسمه؟ ولماذا لم يضحك الرجل في المرة الفائتة عندما قام بفتح الورم وتنظيفه؟ نهضت منفعلا وغادرت غرفة الطبيب ولكنه طاردني في الممر وهو لا يزال يضحك: مع... هئ، هئ معليش.. يأيأيأ.. هاهاهاها... مع مع مع معليش يا جع جعفر.. لحسن حظه لم يكن هناك مقص أو مشرط في ممر العيادة فقد كنت في حالة من الغيظ والاستفزاز كانت كفيلة بجعلي أعتدي عليه وخاصة ان اسرة التمريض سعدت بضحكة الجراح الهستيرية وشاركته فيه، وخرجت ووقفت إلى جانب سيارتي في الشارع وأنا أفكر في الكيفية التي ينبغي ان اعاقب بها طبيبا ضحك علي – بغض النظر عن نوع المرض الذي اعاني منه: هل أشكوه إلى مدير العيادة أم أكتفي بشرشحته أمام الموظفين، ثم فوجئت بالجراح يخرج من العيادة ويتجه نحوي وهو يحاول ان يكتم ضحكاته: سوري.. متأسف.. لو عرفت السبب لعذرتني! قلت له أعذرك على ماذا؟ ما الاكتشاف الخطير الذي وجدته في ملفي حتى تجعل مني أضحوكة؟ سحبني الجراح من يدي وقال: تعال اقرأ ما كتبته الممرضة في ملفك وستجد لي العذر، حلفتك بالله لازم ترجع العيادة وأنا أضمن لك أن تخرج منها وأنت ضاحك، وفوق هذا سأرد لك رسوم الكشف والجراحة.. بس تعال، لا تكون زول راسه ناشف، ثم واصل الضحك فقررت العودة معه إلى العيادة «ولو اكتشفت انه فعلا ضحك من أمر يتعلق بي وبمرضي فسأضربه بأي شيء ثقيل الوزن أو حاد في مكتبه واللي بدو يصير يصير». دخلت المكتب ومد لي الطبيب ملفي وأشار إلي ان اقرأ ما كتبته الممرضة عن حالتي وكان باللغة الانجليزية وقرأت كلامها ولكنني لم افهم معناه.. فضحك الرجل مجددا حتى شرق بالدمع وقال: كتبت ان عندك حمل خارج الرحم.. صحت: التار ولا العار.. الشرف يا ولداه.. وظللت أضحك دون ان أحس بأن الغرفة امتلأت بالناس.. وكانت هناك الممرضة التي طعنت في شرفي وكانت ترتجف من الخوف.. ولم اطلب منها تفسيرا بل قلت لها: أدرك أنك سجلتِ أمرا يخص امرأة في قسم النساء والتوليد في ملفي، وهو أمر يحصل في أرقى العائلات. شفت شلون وإزاي وكيف تخلصت وقتها من فيروس العصبية الوبائي وهونت الأمر على الممرضة، وفي نفس الوقت قد أقلب الدنيا وأثير عاصفة ترابية لأن الرجل في المطعم اعطاني سندويتش دجاج بينما كنت أريده باللحم البقري؟