تتواصل فصول المأساة الإنسانية في سورية، حيث أعلنت الأمم المتحدة أن أكثر من 235 ألف شخص نزحوا في شمالي غربي سورية خلال الأسبوعين الماضيين، جراء الغارات العنيفة للنظام وحليفه الروسي، الأمر الذي يفاقم أزمة اللاجئين في هذا البلد، وهي أزمة تلقي بظلالها على الصعيدين الإقليمي والدولي، ورغم التفاصيل المؤلمة لواقع اللاجئين والنازحين، التي يندى لها جبين الإنسانية إلا أن هذا لم يردع بعض الأطراف عن توظيف هذه التراجيديا لتحقيق غايات سياسية، أو استغلالها في الجدل الداخلي، ما يعكس انحداراً أخلاقياً لا مثيل له، ومتاجرة بعذابات شعب مستضعف اجتمع عليه ظلم القريبين والغرباء، لتمتد معاناته قرابة عقد. ونحن على أبواب عام جديد، تظهر الهجرة السورية القسرية، كفصل أسود لتاريخنا المعاصر كاشفة عورات النظام الدولي السائد، وهشاشة مفاهيم حقوق الإنسان التي تتشدق بها بعض الدول والمنظمات فيما يجري نهر الدم والاغتراب حثيثاً في الهشيم السوري، فما يجري في إدلب على مرأى وأنظار العالم ليس إلا مجزرة حية بأدق تعبير، وتسويغاً فجاً للعنف والدمار تحت عناوين ومبررات واهية، وفي ظل شلل دولي مدهش عاجز عن إيقاف حملة الموت ضد المدنيين والأبرياء. العدوان على إدلب يظهر عبثية القرارات الدولية المتعلقة بالأزمة السورية، وفي مقدمتها بيان جنيف والقرار 2254 الذي يدعو جميع الأطراف للتوقف فوراً عن شن أي هجمات ضد أهداف مدنية، وهنا تبرز ملاحظة جديرة بالبحث والتأمل، إذ تمثل القرارات الدولية بشأن سورية امتداداً لغيرها من القرارات الأممية التي تولد ميتة فيما يتعلق بمنطقتنا، وهي ملاحظة وإن لم تكن جديدة بالطبع، إلا أنها تستدعي بحثاً عميقاً حول أسباب وخفايا هذه السلبية المستمرة للمجتمع الدولي حيال أزمات المنطقة وقضاياها المزمنة، فمن غير المعقول أن تكون دماء ومصائر ومستقبل الملايين من شعوب المنطقة، موضوعاً للجدل والتفاوض والمساومات على موائد القوى الدولية، فعندما يغادر نحو ربع مليون إنسان ديارهم وأماكنهم العزيزة ومصادر أرزاقهم خلال أسبوعين فحسب، فلا معنى لهذا إلا أن شريعة القانون لم تعد تحكم العالم، رغم كل الخطب الرنانة عن حكم القانون وحقوق الإنسان.
مشاركة :