تمثل الكتابة الناقدة للشؤون العامة للدولة وأجهزتها المختلفة شكلا ومظهرا من مظاهر وأشكال الممارسات الحرة في الأنظمة الديمقراطية.هذه الكتابات الناقدة تعد بنظر السياسيين والمختصين بالعلوم السياسية مؤشرا على مدى تجذر الديمقراطية التي يتصف بها النظام السياسي تماما مثلما هي مؤشرا على اهتمام النخب السياسية بالشأن العام وانخراطها فيه.وفي الوقت الذي تتنوع فيه مدى قوة ودقة ومصداقية ما تتضمنه الموضوعات التي يتناولها الكتاب فإن الكتابة الناقدة تواجه في كثير من الأحيان حملات تشويه لمقاصد الكتاب، وتعريضا بغاياتهم ،وأحيانا وطنيتهم وانتمائهم.معظم التشويه لمقاصد الكتابات الناقدة تأتي من شخوص أو جهات يدعون بأنهم وطنيون وغيورين على مصالح الشعب وهذه الفئة عادة ما تعطى مساحات معتبرة من وسائل الإعلام المرئي والمكتوب والمسموع في حين يتم التضييق على الكتاب الناقدين.كلتا الفئتان من الكتاب موجودتان في الساحة الإعلامية الأردنية والبون الشاسع بين طروحات الكتاب من هاتين الفئتين يدركها الأردنيون المتابعون لمخرجات مؤسساتنا الإعلامية. بعض المناهضين للكتابات الناقدة هم وزراء وأمناء عامين ورؤساء جامعات وأكاديميين وموظفين رفيعي المستوى وبعض الشخوص اللاهثين للوصول لمثل هذه المواقع .وجوههم مألوفة يستدعون على عجل لوسائل الإعلام الرسمي أو يستكتبون ويتسابقون في مدح السلطة وإنجازات الحكومة ،ويحولون مواطن الضعف إلى مواطن قوة ،ويغيرون الفشل إلى نجاحات ويسهبون في ممالئة المسئولين بطريقة ممجوجة مبتذلة تثير الشفقة.هذه الفئة من المؤيدين الدائمين للحكومة هي ذاتها تنقسم على قسمين هما:فئة المؤيدين للحكومة بشكل أعمى ويعتقدون أن الحكومة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها وأن انتقادها خيانة للوطن في حين أن القسم الآخر يؤيد الحكومة بوعي وقصد مبرر وينظروا إلى مجمل ما تقوم به الحكومة على أنه إيجابي.الملفت في هذه التجاذبات والإستقطابات لفئتي الكتاب المؤيدين والناقدين للحكومات أن حجم وسرعة الانتقال من فئة "كتاب الحكومة" إلى "كتاب المعارضة" هي أكبر بكثير من الحركة العكسية ،أي من كتاب المعارضة إلى كتاب الحكومة.نعرف العديد من الشخوص الذين أصبحوا ناقدين شرسين للحكومة بعد تقاعدهم أو بعد انتهاء مهامهم في المواقع التي شغلوها مما يضفي بعض الشكوك وعلامات الاستفهام حول التغيرات المفاجئة والانتقال من معسكر التأييد إلى معسكر لمعارضة وما يترتب على ذلك من انعكاسات على مدى قناعة القراء ومصداقية ما يكتبه هؤلاء عن المعارضة ومسوغاتها وبواعثها.الجانب المشرق الذي نراه هذه الأيام هو نشوء أو ظهور فئة ثالثة من الكتاب الذين يصعب أن نحسب كتاباتهم على أي من الفئتين سالفتي الذكر. فما يكتبه هؤلاء الكتاب ،نقدا أو تأييدا ،يستند لجدارة ما تفعله الحكومة من وجهة نظرهم، فتجدهم تارة يؤيدون سياسات الحكومة وتارة أخرى ينتقدونها وبالتالي فمواقف هؤلاء الكتاب بنظرنا هي الأكثر رشدا ومصداقية لأنها تركز على السياسات والإجراءات الحكومية وليس على الايدولوجيا الحزبية والمواقف المسبقة أو على التأييد المطلق للحكومة أو ما اصطلح على تسميته(تسحيج).نحن ندرك بالتأكيد أن من تقاليد الديمقراطيات العريقة أن الحزب الحاكم يمكن أن يتحول إلى حزب معارضة في حال خسارته للانتخابات، ولكن ذلك يخضع لقواعد مؤسسية مختلفة. فالتحول للمعارضة يكون لحزب وليس لشخص ،والمعارضة موجهة لنهج وسياسات الحكومة وتطرح بالمقابل برامج وسياسات وحلول للقضايا العامة.وضعنا في الأردن ما زال بعيدا كل البعد عن هذا النمط من التحول المؤسسي من التأييد إلى المعارضة وبالعكس ،حيث ما زال تأييد الحكومة أو معارضتها يخضع لاعتبارات ومنطلقات مصلحية وشخصية إلى حد كبير، ولعل هذا الحال ينعكس على جل الكتابات التي نقرأها أو نسمعها في محطاتنا ومنابرنا الإعلامية .الكتابات السياسية في الأردن تتأثر كثيرا بالواقع السياسي الأردني المتمثل يضعف لا بل بهشاشة الأحزاب وهامشية الممارسات الحزبية ،وستبقى الكتابات السياسية كتابات توجهها بواعث شخصية ومصلحية في حين أن التأثير السياسي للكتابات الناقدة سيبقى محدودا ولن يتجاوز التنفيس عن هموم الناس وأوجاعهم .الأحزاب السياسية تمثل حواضن الديمقراطية وتأثيرها لا يقتصر على الجوانب التدريبية في الممارسات الديمقراطية ولا على الجوانب المتعلقة بدور هذه الأحزاب في تشكيل الحياة البرلمانية وتكليف الحكومات فحسب ،ولكن وجود حياة حزبية حقيقية ينعكس أيضا على الكتابات الإعلامية وعلى الإعلام أو ما اصطلح على تسميته بـ "السلطة الرابعة"في الدولة.من هنا ندرك أهمية إعادة النظر بالقوانين الناظمة للأحزاب ،فإعلامنا وما يكتبه الكتاب المؤيدين والمعارضين لسياسات الحكومة يعكس وهن الأحزاب والحياة الحزبية في المملكة.
مشاركة :