دبي: أمل سرور «بدأ العد التنازلي لإكسبو؛ أكبر حدث تستضيفه الإمارات، الأيادي متحدة، القلوب متوحدة، فريق العمل الإماراتي يعمل بروح واحدة.. سنسطر قصة جديدة للإمارات، سنستضيف العالم، وسندهش الشعوب». تلك المقولة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، صاحبتنا في رحلتنا إلى موقع «إكسبو 2020 دبي».رحلة مثيرة نستكمل بها جولات عديدة لنا نرى من خلالها ونرصد وننقل قصة بناء هذا الصرح العالمي؛ جولة نستكمل فيها مشاهد من ملحمة أسطورية تستضيفها مدينة الأرقام القياسية دبي، ليكن أول إكسبو دولي في الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب آسيا ينطلق في 20 أكتوبر المقبل.بتنا وكأننا نحفظ الطريق عن ظهر قلب، فرحلتنا الأولى لم يمض عليها سوى بضعة أشهر تُعد على أصابع اليد، ولكن لم يفارقنا إحساس بأننا سنرى الجديد والمختلف والمستحدث، فالعمل الذي يتم على قدم وساق من قِبل الجميع، لابد أن يسفر عن تغيرات ونتائج إيجابية على مدار فترات قصيرة من الزمن.«تواصل العقول وصنع المستقبل»، هي العبارة التي تستقبلنا دوماً ما إن ندق أبواب مقر «إكسبو 2020»، شعار لخص كل الأهداف السامية والرسائل الإنسانية التي يحملها إكسبو، ذلك الذي يشكل مصدر إلهام لكل من يشترك في الإعداد والتجهيز لانطلاق تلك الملحمة.تبدو جولتنا مختلفة عما سبقها، وهي تلك التي أُعدت من أجل أن نشهد بعضاً من تفاصيل أحد البرامج التي سيحتضنها ذلك الحدث العالمي، والخاص بالفنون البصرية التي تضم مجموعة من الأعمال الفنية المتفردة التي ستتزين بها شوارع «إكسبو»، وينفذها 22 فناناً منهم 8 إماراتيين، أما الباقون فمن مختلف الجنسيات العربية والعالمية.ترحاب دافئ من خلية النحل الشابة في «إكسبو»، سهل لنا الجولة التي بدأت بارتداء الملابس المخصصة للنزول إلى أرض المشروع، لرصد كم الإنجاز والمستجدات في الموقع.160 مليون ساعة من العمل المستمر والشاق والممتع في آن واحد، بتلك الكلمات بدأ مرافقنا يتحدث عن فكرة العمل بحب وإرادة جبارة في الإنجاز، وتحقيق الصعاب وترويض المستحيل. يتوقف مرافقنا قليلاً ثم يعاود الحديث، ما إن وقفنا أمام ما يقرب من 86 مبنى متعدد الاستخدامات، حتى بدت صورتها واضحة ودالة على كم المعاناة والمجهود الجبار الذي بُذل خلال الأشهر القليلة الماضية، تلك التي تضم 3 من أهم المناطق التي تقوم عليها فلسفة إكسبو؛ منطقة الفرص التي تحظى بنصيب الأسد كما يقولون وتحتضن 33 مبنى، والاستدامة التي تضم 21 مبنى، والتنقل التي تتكون من 32 مبنى، وبدت منطقة الوصل بقبتها الشاهقة تحتضن ثلاث مناطق، تعد الأكبر في الموقع وتضم أجنحة عشرات البلدان، وتضم المناطق الثلاث جناحاً خاصاً بموضوعها، وتتصل بساحة الوصل وتضم العديد من المساحات العامة والمسطحات المائية، وننتقل من الوصل إلى جناح الفرص المصنوع من مواد عضوية تتضمن 2500 من الصخور والحبال المنسوجة بطول 111 كيلومتراً، للتعبير عن فكرة كيف أن الأفكار الفردية يمكن أن تؤثر في القضايا العالمية. ومن الفرص إلى جناح التنقل نرتحل لنستكشف التطور الإنساني من خلال الإمكانات المتزايدة الكامنة في عملية التنقل لدى البشر، جناح بات أسطورياً في تصميمه مجهز لجعل زائره يطلع على التنقل في الماضي والحاضر والمستقبل، بينما بات جناح الاستدامة مجهزاً حاملاً لفلسفة تقول: إنه يمكننا أن ننشئ علاقة حية مع العالم من حولنا، في محاولة لإعادة النظر في علاقتنا بالعالم الطبيعي، كي نتمكن من الحفاظ على ما هو ثمين بالنسبة لنا.ويختتم مرافقنا الجولة في قلب الحدث العالمي المرتقب بقوله: «سيحقق «إكسبو 2020 دبي» قفزة غير مسبوقة في تاريخ معارض إكسبو العالمية، ويكفي أن الجمهور سيزور ويتفاعل مع 192 جناحاً لبلدان العالم، يرفدها ويغنيها الحضور الاستثنائي لكبرى المؤسسات الدولية والإقليمية، إضافة إلى العديد من البرامج الفنية والثقافية والموسيقية التي تقدم سرديات شخصية وعامة محلية وعالمية، لتنسج صورة موسعة وحيوية عن عالم اليوم، ملهمة الجمهور والمشاركين معاً، بتقديم نظرة عميقة للحاضر ورؤية طموحة وكاشفة للمستقبل». «الصقر» الإماراتي.. الأكبر مساحة ضخمة تحتضن الجناح الإماراتي بلغت 15 ألف متر مربع، ليصبح الأكبر والأضخم في «إكسبو».يتكون الجناح من 4 طوابق، ويتضمن العديد من الفعاليات والمفاجآت الضخمة التي تخفيها أجنحة الصقر الذي اختير رمزاً للقوة والتحدي والشموخ لهذا البلد. الهدف من تصميم الجناح على شكل صقر في وضع الطيران، أن يحكي قصة الدولة بوصفها مركزاً متصلاً بالعالم، فبدا الصقر في التصميم قوياً ذا عينين ثاقبتين تسردان رؤية قيادة شغلها الشاغل رسم خطط طموحة لمستقبل يتحقق بسواعد قوية ومتحدية. طارق أبو الفتوح: نستلهم إرث ابن الهيثم فرصة للهدوء والتأمل بعد جولة سريعة عميقة وسط أجنحة «إكسبو» التي تحمل رسائل ومعاني وقيماً تحيط بها الفلسفة والحكمة، حالة أفقنا منها على صوت طارق أبو الفتوح، المنسق الفني لبرنامج الفنون البصرية، والذي صممه ويشرف على تنفيذه. قال أبو الفتوح: البرنامج يعتمد كلياً على تقديم أعمال فنية معاصرة في الأماكن العامة، لينسجم مع الخطة الطموحة التي خطط موقع إكسبو 2020 على أساسها، وذلك للترحيب بالعالم أثناء انعقاد فعالياته، وليكون في الوقت نفسه امتداداً عمرانياً مستقبلياً لمدينة دبي حين تعديله وتطويره، بعد انتهاء الحدث العالمي، ليكون مركز المدينة الجنوبي.وواصل: وفق هذا البرنامج، سيكون للفن المعاصر حضوره الباهر والمؤثر في الفضاء العام في موقع «إكسبو 2020»، على مدى ستة أشهر هي مدة فعاليات ذلك الحدث الاستثنائي، وكذلك نجد إرثاً بصرياً وجمالياً دائماً ومتناغماً ومتداخلاً مع النسيج الحضري لهذا الجزء المستقبلي من المدينة. ويفاجئنا المنسق الفني لبرنامج الفنون البصرية بأنه استلهم برنامجه من «كتاب المناظر» لعالم الرياضيات والفلك والفيزياء، العربي الشهير ابن الهيثم، الذي أنجزه في القرن الحادي عشر.وعن تلك الفكرة يقول: ابن الهيثم يُعدّ أباً لعلوم البصريات، الذي كان لجهوده الأثر الحاسم في التطور العلمي والفني وصولاً إلى التصوير والسينما، نظراً لنظرياته ومبادئه الأساسية التي وضعها في مجال علم البصريات وتحليله لمفهوم الرؤية والنظر والإدراك البصري، لذا فإن مصادر ابن الهيثم العلمية هي بكل تأكيد نتاج تفكير فلسفي وتطور وتراكم في «بيوت الحكمة» على مدى عقود عدة في بغداد والبصرة، بل وتشكل انعكاساً مدهشاً لازدهار العلاقات التجارية والتبادل الثقافي لم يسبق له مثيل في التاريخ بين مختلف أركان «العالم القديم» الممتد من الصين إلى إسبانيا.واعتبر طارق أبو الفتوح أن تلك الأعمال الفنية التي سيزخر بها «إكسبو» لحظة استثنائية؛ لأنها تستدعي كتاب ابن الهيثم الذي يوفر سياقاً شعرياً للتفكير في العالم. د.حياة شمس الدين: ننقل حضارتنا إلى العالم د.حياة شمس الدين، نائب رئيس أول الثقافة والفنون لدى «إكسبو 2020»، تحدثت عن البرامج العديدة التي يتضمنها هذا الحدث العالمي المرتقب بقولها: إنها فرصة ذهبية لنقدم فلسفة وأدب وفن الثقافة العربية لكل دول العالم التي يشارك معظمها في «إكسبو»، الذي يعد بدوره نقلة استثنائية على كل المستويات، وحرصنا على أن نقدم مجموعة من البرامج الخاصة بالموسيقى والحرف التراثية التي تسرد بشكل جديد وواقعي ومتفرد أصول وجذور الحياة في الإمارات التي تعبر عن النسيج والثقافة العربية الأصيلة.وأضافت: ستكون المرة الأولى في تاريخ الإمارات والعالم العربي التي نرى فيها تشابك أعمال كبار الفنانين المعاصرين، المحليين والعالميين، في متن النسيج العمراني والهندسي، كنقاط جذب ومعالم رئيسية ومحورية في الحياة العامة، وتضفي على الموقع سمة معاصرة وحيوية، تمنح زواره وقاطنيه ما يشبه سردية بصرية وحسية متجددة دافقة بالأفكار والصور البصرية، التي ترسخ الطابع الإبداعي لموقع «إكسبو» ومستقبله الحضري. وتابعت: برنامج الفنون البصرية الذي نقدمه يعد من أهم وأضخم البرامج التي سنتفرد بها، والحقيقة أنه مع تسارع الإنجازات البشرية المذهلة، العلمية والتكنولوجية، وتطور وسائل التواصل المكثف بين مختلف المجتمعات والأفراد نجحنا في أن نعود إلى أفكار ابن الهيثم العبقرية لتساعدنا على استكشاف الخصوصيات الثقافية والتفريق بين ما نراه وما نتصوره وما ندركه وأهمية قوة الخيال في «تكوين الصورة»، فالقدرة الفريدة المشتركة والمؤكدة بين البشر هي ميزة التخيل والقدرة على التقاط السرديات والقصص، مهما كانت «غريبة» عنهم. وأضافت: تكمن هنا أهمية العودة إلى أفكار ابن الهيثم، لأنها تؤمّن لنا سياقاً فريداً لرؤية أعمال فنية معاصرة تلهم الزوار وتحثهم على استثمار قوة الخيال للانخراط والتفاعل معاً، لاكتشاف الأفكار والرؤى والسرديات وتبادلها برحابة. وإعادة قراءة عمل كلاسيكي وتأسيسي في الفن والعلم مثل «كتاب المناظر»، يساعدنا على الثراء بالشعر والملاحم والإرث الفكري.
مشاركة :