للقصة القصيرة ثمة اطياف وألوان رصدها الناقد شوقي بدر يوسف في كتاب «القصة القصيرة أطياف وألوان» الصادر عن سلسلة كتابات نقدية، العدد 265، عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة عام 2018م.يبدو الكتاب كحديقة ورود اقتطف الناقد من ورودها ما وجده يستحق التذوق والتأمل، ووضح من جملة الاختيارات أن الناقد عمد إلى البحث عن الملامح البارزة لتلك المحاور في متون فن القصة القصيرة بأطيافه المختلفة: البعض اتسم بالمغامرة الفنية في التناول.. والبعض الآخر اتسم باغواءات اللحظات الواقعية النادرة، ومنها انطلق عبر المتخيل إلى انفتاحات في عوالم الحلم والعجيب والغريب.. وكذا توقف عند النصوص المعبرة عن أزمات الإنسان المعاصر.. ثم هناك النصوص الرامزة.. نحن مع مجموعة من الألوان المتحلقة حول الفن القصصي عبر أجيال عدة وعبر المتخيل السردي وما ترفده الواقعية في طرحها القصصي.وقد انتبه الباحث إلى فكرة التجريب والتجديد والتخييل في كل نص من النصوص التي عمل عليها.. ويرى أنه بتلك الرؤية له ولمن سبقوه في دراسة وتحليل القصة القصيرة مر هذا السرد الحكائي الخاص إلى مراحل وتحولات مختلفة، تبدو كثيرة ومتطورة.لقد كانت القصة القصيرة في تاريخ تجليات اسهاماتها ومع اتساع حدود الفن القصصي وتراكمه اللافت، تولت أجيال مختلفة مهمة في كتابة السرد القصصي، بداية من عباس محمود العقاد (مثلا) باعتباره كاتبا موسوعيا لم ينشغل طويلا بالقصة القصيرة.. اللهم إلا كتابة القليل منها مثل «أحسن حمار»، كما ترجم مجموعة قصص لبعض الكتاب الأمريكان.. وان كتب في الرواية روايته الوحيدة «سارة».. وقد احتفى العقاد بالفن القصصي بقوله: «اسم القصة عندنا أكرم لهذا الفن من معظم اسمائها في اللغات الأوروبية، ان لم يكن أكرم من جميع اسمائها» ص12.وفي مجال رؤية الكاتب حول تجربة القصة عند الدكتورة بنت الشاطئ، وهي من الاسماء النسائية الرائدة في مجال القصة القصيرة، ولها بصماتها الجلية والمهمة فنيا، خاصة ما بدأته مع بواكير وبدايات دخولها المشهد الإبداعي.فيما جاءت القصة القصيرة التجريبية والتجريدية والتجديدية على يد جيل الستينيات من القرن الماضي. وقد اختار الناقد من بينهم ثلاثة فرسان يرى فيهم الانموذج الناضج في التجديد وهم: إبراهيم اصلان- محمد حافظ رجب- عبدالحكيم قاسم..وأضاف الناقد اليهم من الاسكندرية «محمد الصاوي» صاحب النزعة التجريبية و«فتحي الابياري» وله في النشاط الثقافي جهد لا يمكن انكاره.. منه انشاء نادي القصة بالاسكندرية.وبقدر من التفصيل تناول الباحث بعض الاسماء وربطهم بتطور ورواج القصة القصيرة فنيا وتاريخيا.. حيث بدأ بعباس محمود العقاد واعتبر أنه كتب في القصة من الباب الموسوعي وبذلك اعطى للقصة القصيرة قيمة في السرد المصري العربي.. ثم يحيى حقي صاحب كتاب فجر القصة المصرية، الذي يعتبر من أهم الكتب الراصدة للقصة القصيرة حتى تاريخه.. وتتميز حياة يحيى حقي الادبية بوجوده وسط أجيال ثلاثة عاصرها.. أولها جيل الرواد «هيكل، محمد تيمور، عيسى وشحاتة عبيد، توفيق الحكيم، حسين فوزي وأحمد خيري ومحمود طاهر.. ومن شباب هذا الجيل يحيى حقي». ص31 وجيل الوسط جيل نجيب محفوظ ويوسف إدريس والشرقاوي وسعد مكاوي ويوسف السباعي. والجيل المعاصر الآن حيث رحل يحيى حقي عام 2006. وتوقف الكاتب قليلا مع جماليات السرد عند بنت الشاطئ.. «وما دار حول قصصها من رؤية رومانسية ومشاعر وصراعات وشخصيات مطحونة مهمشة، وإحساس الكاتبة بقضايا المجتمع.. الأمر الذي انعكس على وجهة نظرها تجاه قضايا المجتمع والمرأة والواقع» ص59.وربما يعتبر القص عند الدكتور شكري عياد هو الحلقة المفصلية بين القديم والجديد في القصة القصيرة، لذلك توقف معه الباحث، وأعطاه عنوان باب مختلف «القصة القصيرة عند الدكتور شكري عياد بين التأصيل والابداع». لتحتل القصة القصيرة في منجز الدكتور شكري عياد ومشروعه النقدي والابداعي مساحة لها أهميتها الخاصة في هذا المنجز، وشاهدا على عصره» ص62.كما كان الباب الخاص بـ«إبراهيم اصلان» كبداية مرحلة جديدة في القص، كتبه تحت عنوان «إبراهيم اصلان وآليات النسق الاستعاري في مجموعة «بحيرة المساء».. «وتعتمد آليات النسق الاستعاري في العمل القصصي على تفعيل عدة عمليات لها خلفية مقاربات ميتافيزيقية وجوانب تجريدية.. وتستمر في تفاعلها المستمر مع عمليات الادراك..» ص71. ويبقى محمد حافظ رجب ذات سمة خاصة متميزة وهو ما برز في باب بعنوان «محمد حافظ رجب» ومفصلية التحول في مجموعة «غرباء».. «مع ظهور تيار الحداثة في الادب العربي الحديث، وتعدد المواجهات بين ما هو سائد وما هو قادم إلى المشهد، حيث تفاعلت كثير من الرؤى في شتى الاجناس الادبية، وظهرت أصوات شابة تنادي بالتجريب..» ص111.وتوالت الفصول من جيل الستينيات: والنزوع إلى التجريب في قصص محمد الصاوي.. حيث كان «للقصة القصيرة بريق خاص، وسحر لا يقاوم عند كاتبها وقارئها.. لما تحدثه عند كليهما من لذة خاصة في ممارسة لعبة التخييل والتفسير والتأويل..» ص132.كذلك تعرض الكاتب للقاص فتحي الابياري.. «في مسيرته الادبية والصحفية والحياتية حيث كان فتحي الابياري علامة في الساحة والمشهد القصصي المصري» ص165.ثم انتقل الكاتب إلى بعض كتاب القصة مثل القاص المخضرم أحمد الخميسي وفن المراوغة القصصية في مجموعة راس الديك الاحمر.. «وكيف أن القصة القصيرة فن ماكر ومراوغ وملتبس.. لا يمكن الامساك بقوامه وهو عصي على التعريف..» ص176.وتوالت الاجيال والملامح القصصية المختلفة، تلك التي رصد الباحث بعضها مع بعض ادباء جيل السبعينيات والثمانينيات: كما مع الراحل «احمد محمد حميدة» تحت عنوان الازمة ولحظتها المتوارية في مجموعة «ظل الباب».. «لحظة الازمة في القصة القصيرة هي اللحظة الاثيرة في بنيتها التركيبية.. لذلك سماها جيمس جويس لحظة الاشراق» ص193. وتوقف مع الاديب محمد عطية محمود تحت عنوان «الرموز القابلة للتأويل في مجموعة «عيون بيضاء».. «القصة القصيرة هي فن اللحظة المستثارة التي تستمد من هواجس الكاتب» ص207.ثم مع مجموعة محمود عرفة بعنوان «البعد الانساني في مجموعة الخسوف».. من ناحية أن «الادب مرآة صادقة للمجتمع كما صورها الدكتور طه حسين» ص222.وكانت مجموعة «الطريق إلى منبع الشمس» للقاص محمد عباس علي.. وكيف كان الحكي ورصد الواقع في هذه المجموعة كون «ان الشقيقة الكبرى للحقيقة هي الحكاية» كما رددها قبل ذلك «رديارد كيبلج» ص240.وأخيرا توقف الناقد مع الاديب د. شريف عابدين وظاهرة التبئير في مجموعة أحمر شفاه. وفي هذا الصدد بين الكاتب أن «القصة القصيرة مازالت سيدة الانواع الادبية. وأن التطوير وتجديد الدم مازالا يعملان في جسدها ونسيجها الحكائي» ص257. .. قد نشكو بين الحين والحين من نقص الرصد النقدي للكم الكبير الابداعي سواء في مجال القصة القصيرة أو الرواية.. الا ان الجهد النقدي الجاد للناقد شوقي بدر يوسف في هذا الكتاب الجامع من أطياف وألوان مختلفة في كتابه «القصة القصيرة وهي جملة من التطبيقات النقدية لبعض أطياف القصة من الكتاب بعضهم من خارج المشهد القصصي ثم طرح آخر من بعض الكتاب والمجموعات القصصية من داخل المشهد مما منح هذا الكتاب معنى جديدا ومبنى تحتاج إليه فنون الحكي في أدبنا المعاصر». Ab_negm2014@yahoo.com
مشاركة :