الشارقة: علاء الدين محمود أعمال كثيرة في مهرجان الشارقة للفنون الإسلامية، عكست جماليات باذخة دلت على أساليب عديدة، ويبدو أن دعوة المهرجان لإطلاق الطاقات الكامنة عند الفنانين من خلال شعارها لهذه الدورة «مدى»، كان له دور في تفجير الإمكانيات الإبداعية، مما قاد إلى تقديم تجارب بصرية تكشف عن وجود رؤى فكرية حركت يد الفنان ليترجمها إلى عمل جمالي، في بحث متواصل عن الجمال. تدل الكثير من تلك الأعمال على أن الفن الإسلامي عامر بالرؤى الجمالية التي تحتاج بالفعل إلى تنقيب، والملاحظة البارزة أن الفنانين قد اتجهوا بالفعل نحو استلهام التراث الفني الإسلامي الكبير بدلالاته المكانية والزمانية والجمالية ومدارسه الفنية الكلاسيكية والمعاصرة في صنع تراكيب ومجسمات وصور خزفيات ومنمقات تؤدي إلى المتعة البصرية. هناك عدد من النماذج في المهرجان لأعمال أراد لها مبدعوها أن تكون بمنزلة لحظة يتجول فيها المشاهد للعمل في أعماق التاريخ الإسلامي وحضاراته، فهي تكرس للفت الانتباه إلى ذلك الثراء الجمالي الكامن في الفنون الإسلامية بمختلف تكويناتها، وهي أعمال عامرة بالخيال الجامح، وتكشف عن أساليب فنية تميل نحو الابتكار عبر التقاط التفاصيل الصغيرة والاستفادة من المواد البسيطة. الفنانة جيني كريمنس، من الولايات المتحدة الأمريكية قدمت عملاً بعنوان «البحث عن الجمال»، وهو يعبر عن رحلة بحث مضنٍ عن القيم الجمالية عبر تجهيزات يدوية معقدة. والعمل هو عبارة عن تكرار سلس لأشكال نباتية منمقة، إضافة إلى التفاصيل المعمارية والتطبيقات الهندسية للتصميم، فهي قطع متعددة تشكل عوالم صغيرة. ولعل ما يستوقف في عمل جيني هو ذلك العناد الكبير الذي تتسم به، والجهد الفكري الذي تبذله في سبيل البحث عن الجمال ومفرداته، و إبراز القيم الجمالية حتى داخل القبح، وتلك المناهضة الفكرية لثقافة الاستهلاك، والسعي الدائم للانتصار للجمال وسيادته. وتقول جيني موضحة ذلك الأمر: «في عملي أقوم بتصنيع الأشياء بتفاصيل يدوية دقيقة تتناقض مع بساطة المواد المستخدمة، ومن خلال إعادة استخدام أدوات تسويقية تعود إلى ثقافة المستهلك، قمت بتمزيق أظرف ومغلفات وكتالوجات يصعب إعادة تدويرها؛ لأن أحبارها تحتوي على تركيزات عالية من المعادن الثقيلة، ومن ثمّ استخدمت هذه المواد في أعمالي؛ إذ عملت على لفّ وطيّ وخياطة الأجزاء الممزقة، وحولتها إلى نقوش منحوتة متآلفة، لتصبح أعمالاً مستقلة وأعمالاً تركيبية تجذب المشاهد إلى عوالم صغيرة، ولكن لا نهائية كأنها المدى». مع الفنان الأرجنتيني «دانتي دانتوني»، نمضي في رحلة التاريخ والسير، قصص المكان ومرويات الزمان، هي بلا شك رحلة بحث عن الجمال من خلال منظور بصري مختلف، ووسيلتنا في تلك الرحلة هي الخيال الجامح الذي لا يعرف الحدود، وذلك من خلال عمله الفني الذي أطلق عليه اسم «المسار المجازي»، الذي يصنع من خلاله معراجاً كالذي شيده من قبل الإيطالي الشهير دانتي في كوميدياه الشعرية الملحمية الخيالية، ولكن قوة العمل عند دانتي «الأرجنتيني» تتمثل في صنعه قطعة تجمع في تآلف عميق بين الخيال والواقع. ولعل التسمية نفسها «المسار المجازي»، تشير إلى رحلة خيالية بديعة، فالقطعة تستحضر عالماً يؤشر إلى فترات زمانية متعاقبة، عبر تشكيل يجمع الوسائط والتصاميم الهيكلية، بحيث تظهر القطعة منظوراً بصرياً فريداً، فهي تعمل على تعزيز الخيال، وترسيخ مشاهد فريدة في العقل. ولعل أكثر ما يسترعي الانتباه في أعمال دانتي، هو السعي لإظهار جمال الكنز الكامن في كل إنسان، من خلال جسور معمارية بين عوالم الإنسان الداخلية والخارجية في مشهد لافت. و «المسار المجازي» شديد التعبير عن الثقافة الإسلامية في علاقتها بالفن، ويحتوي على مشاهد تبرز تلك الثقافة في جوانبها التاريخية المختلفة، فهو بمنزلة مشهد بصري حافل بالرؤى. أما مع الفنان الأمريكي «راي كونيموتو»، فنتعرف إلى سحر «التكوينات» الفنية التي تعتمد على المؤثرات الصوتية، وذلك من خلال عمله الذي أطلق عليه اسم «حالة»، وهو جسم كروي يصدر أصواتاً. ويذكر كونيموتو أنه ينطلق في عمله من فكرتين، الأولى هي عبارة عن صورة هندسية في شكل دائرة تعبر عن المجتمعات الحديثة، حيث تتشابك جميع الظواهر فيه بشكل معقد، وهذا الجسم الكروي هو نحت صوتي يخلق مساحة صوتية ثلاثية الأبعاد، أما المواد الصوتية فهي عبارة عن مياه ومعادن ترمز إلى الطبيعة، فالمتلقي يستمع إلى لأصوات متعددة الأوجه بحسب مكان وقوفه. و الفكرة الثانية تتمثل في تحول المياه والمعادن إلى قطرات، وتحول الهواء في الماء إلى فقاعات. ويلفت بيكر في حديثه عن عمله ذلك أنه مستمد من شعار المهرجان، فهو يقول: «هذه هي وجهة نظري حول كلمة مدى».
مشاركة :