أكد محمد حمدان بن جرش السويدي، مدير عام المدينة الجامعية بالشارقة ضرورة تطوير آليات نقل المعارف وبناء المهارات، خصوصاً في المراحل التعليمية الأولى، حيث تتشكل شخصية الفرد في الجزء الأكبر منها، وهو ما يدعونا إلى أن تكون طرق التعليم وما تطرحه من قيم محط نقاش وتطوير دائمين، والأخذ بأهم ما توصل إليه التربويون والباحثون والعلماء في أفضل الوسائل التي تنمي الإبداع في المراحل المبكرة من التعليم. أشار إلى أنه لا يمكن الحديث عن العلاقة العضوية بين التربية والابتكار من دون الحديث عن العلاقة بين التربية والتعليم، إذ إنه لطالما ارتبط العلم بالتربية، قائلاً إنه يكتسب جزءاً كبيراً من أهميته من خلال الآليات التربوية، وإذا ما قمنا بعملية مقارنة بين مجتمعين فإننا سنجد أن الكثير من نقاط الاختلاف لا تقع فيما تقدمّه المؤسسات التعليمية من معلومات، وإنما في طبيعة المنظومة التربوية في كل مجتمع، أي في خصائص المنظومة التربوية. وقال:إن الإنسان بوصفه فرداً في مجتمع فهو يكتسب من خلال التربية المهارات التي تمنحه إياها تلك المنظومة التربوية، وهنا، نتوقف عند مسألة نقل المعرفة، والتي تعتبر المسألة المركزية في أي منظومة تربوية، فقد أصبح معروفاً أن طرق نقل المعرفة هي المسؤولة عن تكوين وعي وشخصية الفرد الذي يحصل على المعرفة، وهناك منظومة تربوية لا تعطي الأهمية للنقاش والسؤال والحوار، وهي المنظومة التقليدية في نقل المعرفة، ومهمتها الأساسية نقل المعرفة الموجودة، من دون حرص على تنمية أفراد المجتمع، أو أنها تخاف من تغيّر طبيعة المعرفة الموجودة، وبالمقابل هناك منظومة تربوية منفتحة، ومهتمة بأن يشارك أفرادها في صناعة المعرفة، وهي لا تخشى من تغيّر المنظومة المعرفية التقليدية. وأوضح أن التربية ومؤسساتها تتصل بثقافة المجتمع نفسه، ولذلك نجد مجتمعات تشجع الفرد، وتنمي خصائصه الذاتية وتكفل حقه في السؤال وتمد الفرد بالمقومات الداعمة لإبداعه، وتعتبره جزءاً مهماً من عملية تطوير المجتمع، فيما هناك مجتمعات تقلل من شأن الفرد وتعتبر السؤال نوعاً من التشكيك فيما هو موجود، وخصوصاً القضايا الثقافية، ولا تقوم بتنمية مهارات المعلمين لكي يواكبوا الأجيال، فضلاً عن كونها لا تهتم بالخصائص الذاتية، وقد تشكك بها أحياناً، أو تعتبرها نوعاً من الخروج عن المألوف ولا توفر أسباب الإبداع المادية من بنى ومؤسسات وتشريعات. وأضاف أنه من هنا، فإن التنافس بين المجتمعات هو تنافس بين الثقافات، والنظم التربوية، ونحن نجد أن المجتمعات التي يحظى بها الفرد بمكانة رفيعة هي المجتمعات التي تخطو أكثر نحو التقدم، فكل فرد من المنظومة المجتمعية هو مهم بحدّ ذاته، وليس فقط لأنه ينتمي لهذه الجماعة البشرية. وأكد أنه لا يمكن التحدث عن الابتكار بمعزل عن البيئة التي يعيش فيها الأفراد، ولا عن المنظومة القانونية، أو الطبيعة السياسية للدولة، فالبيئة التي يعيش فيها الأفراد هي التي تحدد طبيعة المنظومة التربوية، وتحدد بالتالي مقدرة الأفراد على الابتكار. وعرف الابتكار بكونه القدرة على التطوير والإبداع، وهو بهذا المعنى البحث عن إجابة لسؤال، فعندما نشاهد اليوم تاريخ الإبداعات العظيمة فإننا نجد سجلاً حافلاً لتاريخ الأسئلة التي طرحها الإنسان على نفسه، فسؤال الإنسان عن إمكانية الطيران (والانعتاق من محدودية المكان وقطع المسافات بسرعة) هو الدافع الرئيسي خلف كل محاولات الإنسان من أجل الطيران، وصولاً إلى صنع الطائرات الذي كان بمثابة بداية جديدة للتاريخ الإنساني. وقال: إننا نرى اليوم تأثير وسائل التواصل الاجتماعي لنجد إجابة عن أسئلة لها علاقة بضرورة التواصل في زمن العولمة، حيث إن الوسائل التقليدية في التواصل باتت صعبة، فلم يعد بإمكان الأفراد أن يتواصلوا كما السابق في ظل بعد المسافات وساعات العمل الطويلة، وهنا، لا بد أن نتوقف عند المكانة التي تعطيها الدول لدعم الابتكار، أي لدعم تطوير مناهج التعليم، وتطوير الكفاءات التعليمية، ودعم المختبرات العلمية، وتشجيع الأبحاث النظرية، والمكافآت والجوائز والتشريعات القانونية التي تحمي الإبداع والمبدعين. وأضاف:تنفق الولايات المتحدة الأمريكية على البحث العلمي سنوياً حوالي 168 بليون دولار، أي حوالي 32٪ من مجمل ما ينفقه العالم كله، وتأتي اليابان بعد الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تنفق 130 بليون دولار سنوياً. ويتوالى بعد ذلك ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، كندا، ويبلغ مجموع عدد الباحثين في الدول السبع التي تتربع على قمة الدول الأهم في البحث مليونان و265 ألف باحث، وسنجد أن هذه الدول هي من الأكثر تأثيراً في العالم علمياً وتكنولوجياً وسياسياً، وهو ما يجعلنا نقول إن هذه الدول تعلم تماماً أهمية الابتكار في الحفاظ على مكانتها في سلم الأمم القوية. وأكد أن العلاقة بين التربية والابتكار ليست علاقة نظرية، وإنما علاقة تقوم في فضاء أوسع، هو فضاء المجتمع والمؤسسات والدولة، وكلما كان هذا الفضاء قادراً على دعم العملية التربوية تمكن الحصول على كم أكبر من الابتكارات، والتي تعود بالنفع على الاقتصاد والناتج القومي والقدرة التنافسية على مستوى العالم. وأوضح أن الوقوف عند المكانة التي وصلت إليها دولة الإمارات في مستوى دعم التربية والابتكار يتطلب ذكر حقائق المكانة المهمة لدعم التربية والتعليم والابتكار في الرؤية الاستراتيجية لدولتنا وحكامها، والنقلة النوعية التي أحرزتها الإمارات في مجمل بناها التحتية منذ تأسيس دولة الاتحاد في عام 1971 وحتى اليوم، فضلاً عن التفاعل بين الثقافات المختلفة والذي يطرح أسئلة كبيرة على الهوية والثقافة، وتنوع المنظومة التعليمية في الإمارات والتي تخضع إلى تنافسية كبيرة، ما يحفز عملية تطوير المهارات في نقل المعرفة، ويسهم في بناء الشخصية المبدعة، بالإضافة إلى الخطوات الحثيثة التي تمضي فيها الدولة نحو مجتمع المعرفة، وهو ما يعكس درجة تطور المؤسسات العامة لكي تتمكن من المشاركة في التأسيس للمجتمع المعرفي. وقال إن الإنجازات التي حققتها دولة الإمارات في الاهتمام بالابتكار، تعد مهمة، لكنها يجب ألا تجعلنا نركن إلى ما تمّ تحقيقه، بل التطلع الدائم نحو تحفيز المجتمع والفرد والمؤسسة على تطوير المنظومة التربوية، لتكون قادرة على بناء الأفراد المبتكرين، وتأمين البيئة الضرورية المساعدة على الابتكار، وتأمين مستلزماته كافة.
مشاركة :