الانخفاض الحاد في الاكتتابات العامة الأولية في عام 2019 سلط الضوء على مخاوف بشأن حالة الأسواق العامة، في وقت انخفض فيه عدد الشركات التي تجمع رأس المال في أسواق الأسهم العالمية. على الرغم من ارتفاع أسواق الأسهم العالمية في العام الذي انقضى للتو، إلا أن عدد الإدراجات الجديدة تراجع بمقدار الخمس إلى 1237، وهو أدنى مستوى في ثلاثة أعوام، وفقا لبيانات "ديلوجيك". وجمعت هذه الشركات 188.8 مليار دولار، وهو رقم يقل 10 في المائة عن حصيلة عام 2018، إضافة إلى أنه أدنى مستوى في ثلاثة أعوام. يأتي الانخفاض في الاكتتابات العامة في مرحلة حرجة بالنسبة للأسواق العامة التي انكمشت خلال العقدين الماضيين، في حين توسعت الأسواق الخاصة - مثل الأسهم الخاصة ورأس المال المغامر. محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين في "أليانز"، لاحظ "تمايل البندول بشكل كبير باتجاه الأسواق الخاصة". وقال: "الآن نرى أن البندول يحاول العودة، لكن الأمر ليس بهذه السهولة - الانتقال من القطاع الخاص إلى الأسواق العامة أصعب". سلطت "أوبر" الضوء على التحديات التي واجهت الإدراج في عام 2019، عندما شهدت انخفاض سعر سهمها بواقع الثلث منذ الإدراج في أيار (مايو). كذلك أحدثت "وي ويرك" هزة في جميع أرجاء سوق الإدراج بعد أن ألغت اكتتابها العام الأولي في أيلول (سبتمبر)، عندما ثار غضب المستثمرين على الشركة. عمليات الإدراج في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا عانت أشد الانخفاضات في 2019. شهدت الاكتتابات العامة الأولية البالغ عددها 179 انخفاضا بنسبة 40 في المائة مقارنة بعام 2018، وهو أدنى مجموع في سبعة أعوام. تواصل العرض الهزيل في آسيا، حيث بلغ عدد الاكتتابات الأولية أدنى مستوى في خمسة أعوام، وفي الأمريكتين اللتين انخفضت فيهما عمليات الإدراج 15 في المائة. خروج المملكة المتحدة الذي طال أمده من الاتحاد الأوروبي يمارس ضغطا على الصفقات في أوروبا، حيث انخفض عدد الشركات المدرجة في بورصة الأسهم في لندن، المركز الرئيسي لعمليات الإدراج في المنطقة، 62 في المائة. قال بول جو، رئيس الاكتتاب العام العالمي في شركة الخدمات المهنية "إي واي": "هذا يظهر حقا أن سحابة بريكست تؤثر في الشركات وفي قرارها بطرح أسهمها للاكتتاب العام أم لا". وأضاف: "نتوقع أن يرتفع نشاط الاكتتاب العام في المملكة المتحدة ابتداء من الربع الأول من عام 2020". ويعزى ذلك جزئيا إلى زيادة الوضوح بشأن بريكست بعد فوز بوريس جونسون في الانتخابات العامة في المملكة المتحدة. إدراج "أرامكو السعودية" بقيمة بلغت 25.6 مليار دولار في السوق السعودية "تداول" في تشرين الثاني (نوفمبر) يمثل أكبر عملية إدراج في العام، وأكبر مبلغ تم جمعه في طرح عام أولي. هذه العملية وحدها ضاعفت إجمالي المبلغ المجموع في أسواق أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا. عملية إدراج "أوبر" بقيمة بلغت 8.1 مليار دولار جاءت في المرتبة الثانية، يليها الاكتتاب العام الأولي لـ"بودويزر أي بي أي سي" Budweiser APAC في بورصة هونج كونج بقيمة 5.7 مليار دولار. أدى إغلاق حكومي في الولايات المتحدة إلى تعطيل الموافقات المطلوبة من الهيئة المنظمة للأوراق المالية الأمريكية في الجزء الأول من العام، قبل موجة من النشاط شملت عددا من "وحيدات القرن" - الشركات الخاصة المدعومة برأس المال المغامر التي تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار. الحماسة المبدئية لعمليات الإدراج التي طال انتظارها أفسحت المجال لخيبة الأمل عندما تراجعت أسعار أسهم كثير من الشركات خلال العام. إضافة إلى "أوبر"، تراجعت أسهم "ليفت"، وهي ثالث أكبر صفقة في الولايات المتحدة، أكثر من 30 في المائة، في حين تراجعت أسهم "سمايل دايركت كلوب" SmileDirectClub، وهي خامس أكبر شركة أمريكية مدرجة، أكثر من 60 في المائة. قال جيم كوني، رئيس أسواق رأس المال السهمي في الأمريكتين لدى "بانك أوف أمريكا": "الصفقات الكبيرة، بما في ذلك صفقات وحيدات القرن التي دخلت السوق أخيرا، كانت مخيبة للآمال بدرجة كبيرة". وأضاف: "جاء الأداء المتفوق في المقام الأول من الصفقات الصغيرة"، مثل مجموعة البروتينات النباتية "بيوند ميت" Beyond Meat. تضاعفت أسهم المجموعة الغذائية ثلاثة أمثال منذ الإدراج في أيار (مايو). قال جو، من شركة إي واي: "أصبح المستثمرون أكثر انضباطا وأكثر تشككا عند النظر إلى الشركات التي لم تكن قادرة على تحقيق الأرباح، أو حتى الحد من خسائرها. يريدون التأكد من أن شركات الاكتتاب العام لديها أنموذج الأعمال الصحيح". قدمت الصين نقطة مضيئة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ. قفز حجم الاكتتاب العام بمقدار الثلثين إلى 289، بما في ذلك عمليات الإدراج في بورصة هونج كونج، ساعد على ذلك إطلاق سوق "شنغهاي ستار" Shanghai Star ، في تموز (يوليو). توفر السوق الجديدة للشركات طريقة أسهل للإدراج في محاولة لجذب مجموعات يمكن بخلاف ذلك أن تدرج أسهمها في الخارج. الانخفاض في مجموع عمليات الإدراج على مستوى العالم يأتي على الرغم من المستويات المرتفعة القياسية التي سجلتها الأسهم. يتم تداول مؤشر فاينانشيال تايمز لعموم الأسهم العالمية الممتازة في أعلى مستوياته وهو في طريقه لتحقيق أفضل أداء له منذ عقد. وفقا لبيانات "ديلوجيك"، حققت أكبر 100 عملية اكتتاب في جميع أنحاء العالم عائدات للمستثمرين بلغت في المتوسط 20.4 في المائة منذ الإدراج هذا العام. كانت الشركة الأفضل أداء هي "بكين كينجسوفت أوفيس سوفتوير" Beijing Kingsoft Office Software التي ارتفع سهمها 240 في المائة منذ الإدراج في بورصة الأسهم في شنغهاي في تشرين الثاني (نوفمبر)، في حين كانت الشركة الأسوأ أداء هي "سمايل دايركت كلوب". أحد صناديق المؤشرات المتداولة من شركة رينيسانس كابيتال التي تستثمر في أكبر الصفقات الأمريكية حقق أرباحا بنسبة 33.6 في المائة هذا العام، متجاوزا السوق الأوسع، على الرغم من الأخطاء الكبيرة والشعور المثبط بعد ما وصفت كاثلين سميث، مديرة "رينيسانس كابيتال"، محاولة إدراج "وي ويرك" بالانتحارية. قالت سميث: "بعيدا عن خيبات الأمل التي تصدرت العناوين الرئيسية، حظيت سوق الاكتتاب العام الأولي بعام جيد في الغالب". المصرفيون الاستثماريون على ثقة بأن الأداء الضعيف لعمليات الإدراج الخاصة ببعض الأسماء الكبيرة في عام 2019 لن يضعف شهية المستثمرين للاكتتابات العامة الأولية في عام 2020. قال جريج تشامبرلين، رئيس قسم أسواق رأس المال السهمي لشركات التكنولوجيا والإعلام والاتصالات لدى "جيه بي مورجان": "هناك مجموعة جيدة من شركات التكنولوجيا الخاصة التي من المرجح أن تستغل الأسواق العامة في عام 2020. كثير من هذه الشركات تعطل الأسواق الكبيرة، حيث تحصل على حصة سوقية كبيرة وتقدم فرصا مقنعة للمستثمرين".
مشاركة :