تراجع النمو الصيني يثير مخاوف من هزة مقبلة في أسواق المال العالمية

  • 1/23/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

تشهد أسواق الأسهم العالمية تراجعا ملموسا على خلفية إعلان الصين تراجع معدل نموها الاقتصادي في عام 2018 إلى 6.6 في المائة، ليكون الأدنى منذ ثلاثة عقود تقريبا، وعدم تجاوز نسبة نمو الربع الأخير من 2018، 6.4 في المائة. وتزداد مخاوف الأسواق العالمية من هروب المستثمرين من الأسواق المالية من جراء الأداء الباهت للاقتصادات الكبرى متأثرا بتراجع الاقتصاد الصيني، ما يؤثر سلبا في عديد من دول العالم، ويدفع كبريات الشركات إلى الخروج من الأسواق. واذا كان وضع الاقتصاد الصيني وتقلصه، لعب الدور الرئيس في انخفاض قيمة الأسهم عالميا، فإن عدم اليقين السياسي الذي يعصف ببريطانيا نتيجة عدم حسم موقفها من كيفية خروجها من الاتحاد الأوروبي، ترك أيضا بصماته على الأسهم الدولية خاصة الأوروبية منها. وإذ تتباين تعليقات المحللين بشأن الآليات التي أدت إلى تراجع سوق الأسهم العالمية، فإن هناك ما يشبه قناعات سائدة لدى قطاع كبير من الخبراء الاقتصاديين بأن ردود الأفعال السلبية في أسواق المال، ستزداد رقعتها اتساعا وعمقا خلال الفترة المقبلة ويعلق روبرت لويس الخبير المالي في بورصة لندن لـ"الاقتصادية" قائلا: "الرسالة الرئيسة التي تلقتها الأسواق من انخفاض معدل نمو الاقتصاد الصيني، تتمثل في أن الحرب التجارية مع الولايات المتحدة قد أثرت في الصين بشكل ملموس، ومن ثم فإنه كلما زاد أمد الحرب واستعرت أكثر وأكثر، تراجع الاقتصاد الصيني. وأضاف: "إذا أخذنا في الحسبان الأداء الباهت للاقتصاد الأوروبي، والحديث المتزايد عن أن عام 2019 هو عام الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة، فإننا أمام صورة سلبية لمسار الاقتصاد العالمي، فما الذي يدفع المستثمرين إلى الاحتفاظ بأسهمهم؟". وأشار إلى أن تباطؤ الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية يوجد أجواء سلبية بشأن التوقعات المستقبلية لدى المستثمرين، ويدفع رجال الأعمال إلى الانسحاب من الأسواق، أو على الأقل الابتعاد عن أسواق المال والبورصات في الوقت الراهن، مع تركيز استثماراتهم في أصول أخرى أكثر استقرارا. ويرى اليستر سايمون الخبير الاستثماري في شركة إل. أوكتيري كريدت أن الحرب التجارية وانعكاساتها على الأسواق جزء من المشكلة، إلا أنه لا يعتقد أن التراجع الراهن هو المشكلة الكبرى في الوقت الراهن، وإنما يحذر من تراجعات أكثر حدة وعنفا في البورصات العالمية في المقبل من الأيام. ويقول سايمون: "علينا أن ننظر إلى المشكلة بنظرة أكثر شمولية، فتراجع الاقتصاد الصيني، ناجم في الجزء الأكبر منه إلى انخفاض الطلب المحلي، وهذا يعني أن الاستثمارات ستتقلص في الفترة المقبلة، وسيتراجع معدل النمو المتوقع في الصين هذا العام مقارنة بالعام الماضي، يضاف إلى ذلك أن الاقتصاد الأوروبي سيتأثر بقوة بما يحدث في الصين. وأكد أن ألمانيا هي أكبر شريك تجاري للصين، وعديدا من الشركات الألمانية الكبرى لديها استثمارات ضخمة هناك، وأكبر عشر شركات ألمانية، 15 في المائة من عوائدها المالية ناجمة عن استثماراتها في الصين، ولهذا تقلص عوائد تلك الشركات قد يدفع أغلب الشركات الأوروبية، إلى تأجيل توسع نطاق استثماراتها في الصين، بل ربما تنسحب من الأسواق أيضا، وهذا يعني أن سوق الأسهم العالمية - إذا ظلت المتغيرات الاقتصادية الراهنة كما هي - قد تشهد هزة ملحوظة في منتصف العام الجاري أو في الربع الثالث منه". ويعد البعض أن المشهد الاقتصادي الراهن لا يعد مشهدا حتميا لا مفر منه، وأن إمكانية تغير الأوضاع خيار يجب عدم استبعاده تماما من الساحة، فالمراهنات الدولية بإمكانية تراجع طرفي الحرب التجارية - الولايات المتحدة والصين - عن مواقفهما المتشددة، خلال المباحثات المزمع عقدها بينهما نهاية الشهر الجاري. ستعيد الثقة سريعا إلى الأسواق. وسيمنح ذلك المستثمرين قوة دفعة جديدة، تشجعهم على ضخ مزيد من الاستثمارات، بل مزيد من التوظيف لتحفيز الطلب المحلي، ولا شك أن هذا الانتعاش سيتعزز إذا استطاعت بريطانيا حسم موقفها بشأن الجدل الدائر فيما يتعلق بانسحابها من الاتحاد الأوروبي، أو الدعوة إلى استفتاء جديد قد تكون نتيجته بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد، ما يمثل دفعة قوية للاقتصاد العالمي ككل أيضا. ولا تبدو أجواء التفاؤل تلك هي المهيمنة على المشهد الاقتصادي حتى الآن على الأقل. فمؤشر شنغهاي المركب انخفض بنحو 1.18 في المائة وانخفض مؤشر هانج سنج في هونج كونج بنسبة 1 في المائة، وفي اليابان تراجع مؤشر نيكاي 225 بنسبة 0.47 في المائة، وفي أستراليا انخفض مؤشر البورصة بـ 0.54 في المائة. كما أن صندوق النقد الدولي خفض توقعات نمو الاقتصاد العالمي هذا العام إلى 3.5 في المائة وفي العام المقبل 3.6 في المائة. بدوره يقول الدكتور جورج ديكي أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة لندن: لا تبدو أرقام التراجع كبيرة حتى الآن، وهذا يعني أن الاستثمارات الدولية لم تفقد ثقتها بالأسواق تماما، وإنما تهيمن عليها حالة من القلق والتردد، أكثر من فقدان الثقة، لكن إذا واصلت المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين تخفيض معدلات توقعاتها بشأن نمو الاقتصاد العالمي، وإذا ظلت تلك التعديلات السلبية بشأن النمو العالمي تتم خلال فترات زمنية قصيرة بمعدل يراوح بين شهر وثلاثة أشهر، فإن سوق الأسهم ستشهد هزة عنيفة خلال العام الجاري". وإذ تقدر سوق الأسهم العالمية حاليا بما يراوح بين 87 و100 تريليون دولار أمريكي، 40 في المائة منها تتركز في أسواق الأسهم الأمريكية، ولهذا فإن تواصل تراجع سوق الأسهم العالمية، لن يصب بأي حال من الأحوال في مصلحة الشركات والبورصات الأمريكية، وهو ما يدفع البعض إلى المراهنة بأن الإدارة الأمريكية ستتدخل حتما للحد من تدهور الأوضاع. كما أن تراجع الأسهم سيجعل المستثمرين يجدون في الدولار وسندات الخزانة والذهب ملجأ من الخسائر التي يتوقع أن تمنى بها استثماراتهم في مجال الأسهم، وهو ما يتناقض تماما مع رغبة الرئيس الأمريكي في الحد من قوة الدولار الأمريكي لزيادة الصادرات، ولتشجيع الشركات الأمريكية التي نقلت مصانعها إلى الخارج على العودة مجددا إلى الاستثمار في الصناعات الأمريكية.

مشاركة :