تقرير سنوي: في عام 2019...الشرق الأوسط بين الأزمات والفرص

  • 1/1/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

شهد الوضع في منطقة الشرق الأوسط طوال عام 2019 تغييرات وتعديلات مستمرة. فمن ناحية، كان نشاط القوى الرئيسية داخل المنطقة وخارجها ما بين أفول وظهور، واستمرت عملية إعادة هيكلة توازنات القوى، وأدى صراع القوى الكبرى والحروب الطائفية والحروب بالوكالة والمظاهرات المناهضة للحكومات إلى بروز "أزمات" أثرت على الأمن والاستقرار هناك. ومن ناحية أخرى، أصبح إنهاء الاضطرابات في أسرع وقت ممكن وتحقيق انتقال الشرق الأوسط من "الفوضى" إلى "الاستقرار" يحظى بإجماع متزايد بين دول المنطقة. وأخذت العديد من دول المنطقة تتعاون مع الصين في دفع بناء "الحزام والطريق" وغيرها من المبادرات للحد من اعتمادها على صناعة الطاقة وتحقيق تنويع اقتصاداتها وتسريع تكاملها مع العالم، وأصبحت "فرص" تحقيق تنمية مستقرة في الشرق الأوسط أكثر وضوحا. -- الشرق الأوسط: أزمات تتلاحق صارت "الضغوط القصوى" و"الإجراءات المضادة" بين واشنطن وطهران فيما يخص الملف النووي الإيراني تمثل التناقضات والمواجهات الرئيسية التي طالت الشرق الأوسط طوال عام 2019. فقد استنفدت الولايات المتحدة جميع العقوبات تقريبا باستثناء شن حرب للضغط على إيران، وهو ما دفع طهران إلى اتخاذ إجراءات مضادة شاملة. وظهرت أزمة احتجاز الناقلات بين بريطانيا وإيران، ووقع هجوم على ناقلات نفط قبالة سواحل الإمارات، وأصاب صاروخان ناقلة نفط إيرانية قبالة ميناء جدة السعودي، وأسقطت إيران طائرة أمريكية بدون طيار....وهكذا ولدت المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران سلسلة من الأزمات وشكلت مصدرا رئيسيا للمخاطر في الشرق الأوسط. وعلى صعيد آخر، استعادت قوات الحكومة السورية معظم الأراضي، وهدأت الحرب السورية. ومع ذلك، فإنه مع الإعلان عن انسحاب القوات الأمريكية، شنت تركيا عملية عسكرية تحمل اسم "نبع السلام" ضد القوات الكردية بشمال سوريا، ومن ثم شاب التوتر الوضع هناك. ورغم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار عبر وساطة روسيا وبلدان أخرى وتسيير دوريات عسكرية تركية روسية مشتركة على حدود المنطقة الآمنة بعمق عشرة كيلومترات وتولي دوريات عسكرية روسية سورية مشتركة تأمين بقية المناطق على الحدود، إلا أن الوضع الأمني في المنطقة ظل هشا. وهكذا، أصبحت سوريا "رقعة شطرنج" لصراع على المصالح تنخرط فيه قوى خارجية وقوى إقليمية.   إن الوضع في سوريا صورة مصغرة للعبة صراع في الشرق الأوسط انخرطت فيها قوى خارجية وقوى إقليمية واستمرت طوال عام 2019. وبالمثل هي الحرب الأهلية في اليمن والحرب في ليبيا. فقد شنت بعض القوى الغربية حربا بالوكالة في الشرق الأوسط بهدف تحقيق مكاسب. وكانت شعوب البلدان التي مزقتها الحروب هي من دفع الثمن غاليا. كما انبثقت مخاطر الوضع في الشرق الأوسط عن هبوط أسعار النفط. فقد تسبب انخفاض أسعار النفط في تراجع الإيرادات المالية لحكومات الدول المنتجة للنفط في المنطقة، وارتفعت ديونها. كما أفاد موقع ((بروجيكت سينديكات)) بأنه منذ عام 2014، سجلت عشر حكومات بالمنطقة ديونا تجاوزت نسبتها 75 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي. وفي الوقت الحالي، وصل سعر النفط إلى حوالي 60 دولارا للبرميل، وهو رقم بعيد عن السعر المستهدف لتحقيق التعادل بين الإيرادات والنفقات في الموازنات العامة للعديد من تلك البلدان. ونتيجة لذلك، شهد نموها الاقتصادي تباطؤا وانخفض إنفاقها العام. وبسبب انخفاض الإنفاق الحكومي العام، لم تشهد مستويات المعيشة تحسنا، بل على العكس تراجعت. وبالإضافة إلى ذلك، دفع ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب وتزايد أعباء المعيشة وغيرها من المشكلات إلى اندلاع احتجاجات واسعة في السودان ولبنان والعراق في عام 2019، وهو ما أدى إلى تدهور الوضع السياسي والأمني في تلك البلدان التي باتت معرضة لخطر الوقوع في دوامة الاضطرابات. وقد تضمنت الأزمات والمخاطر، التي واجهت الشرق الأوسط في عام 2019، أيضا تهديد الإرهاب، والفقر المتزايد، ونزاعات المياه، ونقص الغذاء، وغيرها من التحديات الخطيرة. -- الشرق الأوسط: فرص وآمال  بالرغم من أن الشرق الأوسط لا يزال يواجه العديد من المخاطر والتحديات، لكن المواجهات والمعارك التي طال أمدها "أنهكت" أطراف الصراعات، ومن ثم تزايدت الدعوة للحوار والتهدئة. فقد طرح الرئيس الإيراني حسن روحاني في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام مبادرة السلام في مضيق هرمز، معربا عن أمله في تنفيذ هذه المبادرة مع أعضاء مجلس التعاون الخليجي والعراق. ومن ناحية أخرى، أكد وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير مرارا على موقف السعودية الثابت والمتمثل في السعي إلى تحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين. كما أطلقت السعودية سراح الصيادين الإيرانيين الذين اعتقلتهم لدخولهم المياه الإقليمية السعودية عن طريق الخطأ. وداخل مجلس التعاون الخليجي، أظهرت السعودية وبلدان أخرى أيضا علامات على تخفيف حدة توتر علاقاتها مع قطر بعد أزمة قطع العلاقات مع الأخيرة في عام 2017. فقد حضر رئيس الوزراء القطري الشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني قمتين خليجية وعربية بمكة المكرمة في مايو من هذا العام. وأرسلت السعودية والإمارات والبحرين ودول أخرى، قطعت علاقاتها مع قطر، فرقا للمشاركة في بطولة كأس الخليج العربي "خليجي 24" التي أقيمت في قطر في نهاية هذا العام. ومع ذلك، فإن غياب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن القمة الأربعين لدول مجلس التعاون الخليجي التي عقدت في السعودية هذا الشهر يدل على أن الأطراف لا يزال أمامها طريق طويل لاستعادة العلاقات فيما بينها. وفي سوريا واليمن، من المتوقع انتهاء الحرب، حيث تميل جميع الأطراف هناك إلى حل الأزمتين عبر القنوات السياسية. فقد بدأت اللجنة الدستورية السورية أعمالها رسميا، ما فتح فصلا جديدا في تسوية القضية السورية. وبدأ بعض السوريين الذين نزحوا إلى بلدان مجاورة في العودة إلى ديارهم، حيث تتواصل عملية إعادة الإعمار وسط آمال بالنهوض من جديد. وفي اليمن، توصلت الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي إلى اتفاق يتضمن تشكيل حكومة جديدة معا. ومن ناحية أخرى، تم تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بين القوات الحكومية اليمنية والحوثيين إلى حد كبير، ما مكن من إدخال إمدادات الإغاثة الإنسانية الدولية إلى اليمن عبر ميناء الحديدة. -- الحزام والطريق: بناء وفوز مشترك من أجل مواجهة التحدي المتمثل في أن أسعار النفط ستظل منخفضة لفترة طويلة، طرحت العديد من بلدان الشرق الأوسط رؤى متوسطة وطويلة الأجل لتنويع اقتصاداتها وتقليص اعتمادها تدريجيا على صناعة النفط وتحقيق التنمية المستدامة. وأصبح التعاون مع الصين في دفع مبادرة "الحزام والطريق" أولوية لدى الكثير من بلدان الشرق الأوسط. وفي عام 2019، حققت جهود الصين وبلدان الشرق الأوسط في البناء المشترك لـ"الحزام والطريق" إنجازات ملحوظة في شتي المجالات. ففي هذا العام، مرت ثلاث سنوات على إطلاق مشروع منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر؛ وتحقق تقدم كبير في مجال الزراعة التجريبية الصينية لـ"الأرز بمياه البحر" في المنطقة الصحراوية بالإمارات؛ وعُقد منتدى الاستثمار السعودي الصيني في بكين، حيث وقع خلاله الطرفان اتفاقات تعاون بعشرات المليارات من الدولارات. كما شارك رجال أعمال عرب بفعالية في الدورة الثانية من معرض الصين الدولي للواردات بشانغهاي في نوفمبر 2019. وفي القسم الخاص بأجنحة الشركات بالمعرض، عرضت شركات من مصر وتونس والإمارات وسوريا وبلدان عربية أخرى منتجاتها التي غطت مجالات مثل تجارة الخدمات والمعدات الطبية والمواد الغذائية والمنتجات الزراعية، فيما شارك الأردن والسعودية ولبنان وتونس في القسم الخاص بالأجنحة الوطنية. وتوالت إنجازات التعاون الصيني العربي في البناء المشترك لـ"الحزام والطريق" بصورة جلية في منطقة الشرق الأوسط؛ وحظيت المزيد من الأفكار الصينية والحلول الصينية والحكمة الصينية بمزيد من الاهتمام والدراسة من بلدان المنطقة؛ وصار التعاون متبادل المنفعة بينها وبين الصين في إطار "الحزام والطريق" يحتضن آفاقا أكثر إشراقا

مشاركة :