لو لم يندلع الصراع بين اسرائيل وحماس، لاتّسم عام 2023 بتنامي موجة المصالحة السلمية بين القوى الإقليمية في الشرق الأوسط. أدى اندلاع الصراع المفاجئ بين إسرائيل وحماس في أكتوبر إلى تبديد الآمال في نهاية سلمية لعام 2023 في الشرق الأوسط، الذي شهد تطبيعا تاريخيا للعلاقات بين الخصمين المتنافسين، إيران والسعودية، بوساطة الصين. أعطى التقارب السعودي-الإيراني، وكذلك الوحدة العربية المجددة، دفعة أقوى لزخم السلام، الذي بدأ بالفعل منذ سنوات، لإنهاء الصراعات في هذه المنطقة المضطربة عادة. ـ الصراع يعيد مسار خفض التصعيد الاقليمي إلى الوراء وقع هجوم حماس المفاجئ على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر وأدى إلى اندلاع الصراع الدامي المستمر حتى نهاية العام، وجاء في وقت قيل فيه إن اتفاقا بوساطة أمريكية لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية يقترب. وقال باتو كوسكون، زميل باحث في معهد صادق الليبي، إنه كانت هناك مسارات تطبيع متعددة مترابطة قبل الصراع في غزة، مضيفا أن التقارب حدث أيضا بين دول الخليج وإسرائيل وتركيا وإيران، على التوالي، وواصلت تركيا تحسين العلاقات المستأنفة حديثا مع إسرائيل، في إطار عملية خفض تصعيد بدت أنها تغذي اتجاها إقليميا أوسع. وذكر أن "اتجاه خفض التصعيد الذي كان ساريا خلال الأشهر الـ24 الماضية يواجه الآن انتكاسة كبيرة في المنطقة"، في إشارة إلى الصراع بين حماس وإسرائيل، وهو الأكثر دموية منذ عقود حيث قتل حتى الآن أكثر من 20 ألف فلسطيني ونحو 1300 شخص في إسرائيل. وقال "كما هي الحال في كثير من الأحيان في الشرق الأوسط، غالبا ما تؤدي موجات العنف هذه إلى إبطال العمل الدبلوماسي الكبير وتقويض سنوات من المصالحة الحذرة". عقب اندلاع الصراع في غزة، قررت السعودية وقف عملية التطبيع مع إسرائيل احتجاجا على ذلك. وغضبت مصر والأردن، وهما دولتان متاخمتان لإسرائيل ووقعتا معاهدتي سلام معها، من الهجمات الإسرائيلية على غزة والنزوح الجماعي للفلسطينيين. ونددت دول عربية أخرى طبعت العلاقات مع إسرائيل منذ وقت ليس ببعيد، مثل المغرب والبحرين والإمارات، بالاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة. وكتب مارك ليونارد، مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، في مقال نشره معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي في 7 نوفمبر "لسنوات، عمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ظل أوهام تبددت الآن". كما كتب "كان توقع اسرائيل الأكبر أن تتمكن من تطبيع العلاقات مع العالم العربي دون معالجة للقضية الفلسطينية، حيث كان (نتنياهو) يعتقد على ما يبدو أن التخلص منها ممكن ببساطة. الآن، أصبح من المستحيل تجاهل هذه القضية". التقارب لا يزال جاريا قال حسن بهشتيبور، محلل الشؤون الدولية الإيراني، إن الاتفاق السعودي-الإيراني بوساطة صينية لاستئناف العلاقات في مارس كان حدثا تاريخيا في الجيوسياسية للشرق الأوسط، ولم تستفد منه الدولتان فحسب، بل أيضا دول المنطقة مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان. وأوضح أن العراق يعد الاتفاق السعودي-الإيراني متوافقا مع أمنه واستقراره. ففي أعقاب الاتفاق السعودي-الإيراني، أعيد قبول سوريا في الجامعة العربية في مايو، في استعراض للوحدة العربية المجددة. كما رحب لبنان بإعادة إصلاح العلاقات السعودية-الإيرانية. ونتيجة للتقارب السعودي-الإيراني، عُقدت جولات من مفاوضات السلام بين الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية والحوثيين المدعومين من إيران. وفي أبريل، أُطلق سراح مئات السجناء في صفقة تبادل بين الأطراف المتحاربة في اليمن مع بدء الزخم لإنهاء الصراع المستمر منذ تسع سنوات. تم تأكيد عودة سوريا إلى الجامعة العربية بعد 11 عامًا من القطيعة بحضور الرئيس بشار الأسد للقمة التي عقدت في السعودية في مايو. وقبل اندلاع الصراع بين إسرائيل وحماس، ألمح القادة الإسرائيليون والسعوديون إلى أن اتفاقا بوساطة الولايات المتحدة قد اقترب لتطبيع العلاقات بينهما. وأعاق الصراع الدموي تقدم إسرائيل في إصلاح العلاقات مع الدول العربية، والذي بدأ بتوقيع "اتفاقيات أبراهام" مع الإمارات والبحرين والمغرب عام 2020. وأرجعت هدير سعيد، أستاذة العلاقات الدولية في معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة، التقارب الإقليمي إلى سياسة التراجع الأمريكية من الشرق الأوسط، حيث فقدت العديد من الدول العربية ثقتها في الضمانات الأمنية التي تقدمها واشنطن. وقالت إن الزخم المتزايد للتقارب في المنطقة أخّر الخطة الأمريكية لتسليح النسخة العربية للناتو لاحتواء إيران، التي تعدها إسرائيل والولايات المتحدة التهديد الرئيسي لوجود إسرائيل. وأضافت أن "الصراع الدائر بين إسرائيل وحماس يربك الوضع الإقليمي ويعقده. وقد استغلت بعض القوى مثل الولايات المتحدة هذا الارتباك لتوسيع نفوذها الإقليمي وسيطرتها على دول المنطقة بعد سنوات من تراجع دورها السياسي في الشرق الأوسط". ومع ذلك، يعتقد المحللون أنه على الرغم من توقف زخم المصالحة الإقليمية في الشرق الأوسط مؤقتًا بسبب الصراع الدائر بين إسرائيل وحماس، إلا أنه سيستمر بمجرد حل الصراع. يرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن الدول الكبرى في المنطقة قررت أن تأخذ مصائرها بأيديها، بدلاً من الاعتماد على واشنطن فقط، ولا تزال العوامل التي أدت إلى "اتفاقيات أبراهام" موجودة على الرغم من الصراع بين إسرائيل وحماس. على المدى الطويل، فإن الرغبة المشتركة في السعي لتحقيق التنمية الاقتصادية والتحول، فضلاً عن الحاجة إلى التعامل مع ما يسمى التهديد الإيراني، ستساعد في استئناف عملية التطبيع بين إسرائيل والدول العربية الكبرى، على الرغم من أن القضية الفلسطينية ستحظى بمزيد من الاهتمام في المحادثات المستقبلية. ـ التحديات الأمنية لا تزال قائمة وفي عام 2023، استمرت الهجمات التركية عبر الحدود في سوريا والعراق. وفي مقابلة مع قناة ((سكاي نيوز عربية)) في أغسطس، دعا الرئيس السوري بشار الأسد إلى انسحاب القوات التركية من سوريا وانتقد تركيا، التي تعد الداعم الرئيسي لمقاتلي المعارضة المسلحة، بسبب العنف في بلاده التي مزقتها الحرب. وفي السودان، لم تُظهر الاشتباكات الدامية بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية أي علامة على التراجع منذ 15 أبريل. وقتل أكثر من 12 ألف شخص حتى الآن في الاشتباكات، في حين نزح 6.9 مليون آخرين داخل السودان وخارجه، بحسب تقارير الأمم المتحدة. وحذر برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة من أن أجزاء من السودان، الذي مزقته الحرب، معرضة لخطر الانزلاق إلى مجاعة كارثية بحلول العام المقبل. علاوة على ذلك، تستمر الأزمة الإنسانية في غزة في التفاقم يومًا بعد يوم مع ارتفاع عدد القتلى من المدنيين بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية والهجوم البري والنقص الحاد في الغذاء والماء والدواء بسبب الحصار الإسرائيلي. كلما طال أمد الصراع بين إسرائيل وحماس، تعاظم خطر امتداد الصراع في المنطقة بالكامل، حيث قد يتفاقم الوضع الجيوسياسي مع ارتفاع عدد القتلى من الفلسطينيين. ■
مشاركة :