الدكتور عبدالقادر بوعرفة باحث جزائري، وأستاذ للتعليم العالي بجامعة وهران غرب الجزائر، له كتابان منشوران عن مالك بن نبي، الأول بعنوان (الإنسان المستقبلي في فكر مالك بن نبي) صدر سنة 2001م، والثاني بعنوان (الحضارة ومكر التاريخ.. تأملات في فكر مالك بن نبي) صدر سنة 2005م، وفي سنة 2011م قدم ورقة في مؤتمر دولي حول مالك بن نبي عقد في مدينة تلمسان الجزائرية، حملت عنوان (مالك بن نبي الراهن والمستقبل.. دراسة نقدية لرسم معالم البنابية الجديدة). هذه الورقة غلب عليها الطابع النقدي والسجالي، وأراد منها الدكتور بوعرفة إخراج أعمال ابن نبي من الدراسة التقريظية والتقديسية إلى الدراسة النقدية والتجاوزية، لكنها أسرفت كثيرا في النقد، وكانت مثيرة للجدل والاختلاف، مع جديتها وحيويتها وقوتها في فتح أفق جديد لمناقشة التراث الفكري لابن نبي. وحين توقف الدكتور بوعرفة في هذه الورقة عند النظرية الحضارية لابن نبي، كانت له ملاحظة رئيسية، تعلقت بالمفارقة في طريقة التعامل ما بين الظاهرة الإنسانية والظاهرة الطبيعية، معتبرا أن ابن نبي تعامل مع الظاهرة الإنسانية بمنطق الظاهرة الطبيعية، وحسب قوله: إن مالك بن نبي أخطأ، حين تعامل مع الظاهرة الإنسانية مثلما يتعامل الفيزيائي مع الظاهرة الطبيعية، فالظاهرة الإنسانية عصية عن الإمساك الكمي، والترتيب الميكانيكي، فليس من السهل وضع مجموعة من العناصر ضمن علاقة رياضية حتى تكون النتائج مترتبة عن المقدمات، فالظاهرة الإنسانية محكومة باللا قانون أصلا، والقانون الوحيد الذي تخضع له هو قانون الكون الكبير، ونحن لا ننكر أو نقلل من فاعلية تلك المعادلات العامة التي قدمها ابن نبي، ولكننا نقول إنها تأتي في سياق إجرائي فقط، ولا نعتبرها قانونا كونيا. وبشأن هذه الملاحظة، يمكن القول إن ابن نبي ليس بحاجة إلى تنبيه أو تذكير بطبيعة المفارقات الجازمة والفاصلة بين الظاهرة الإنسانية والظاهرة الطبيعية، والذي أثار هذه الملاحظة أن ابن نبي تعمد في جميع المرات تقريبا التي تحدث فيها عن عناصر الحضارة الإنسان والتراب والوقت، استعان في طريقة شرحها والبرهنة عليها، بما أسماه مسلك الكيميائي وطريقته في التحليل. وأراد ابن نبي من هذه الطريقة، الاستعانة بدليل طبيعي للبرهنة على ظاهرة إنسانية، وليس بقصد التعامل مع ظاهرة إنسانية كما لو أنها ظاهرة طبيعية، والتماهي بين الظاهرتين، وليس بقصد أيضا، تطبيق قوانين الظاهرة الطبيعية على الظاهرة الإنسانية، وإنما كان بقصد إعطاء النظرية صفة اليقين، وهي الصفة الملازمة للظاهرة الطبيعية، والمفقودة في الظاهرة الاجتماعية، ويتأكد ذلك من أن ابن نبي كان ينظر لنظريته على أنها تمثل معادلة نهائية. من جانب آخر، أن ابن نبي عند حديثه عن نظريته، كان ملتفتا إلى طبيعة المفارقات الفاصلة ما بين الظاهرتين الطبيعية والإنسانية، ويظهر ذلك عند قوله: في كتابه (تأملات)، ولكن المعادلة التي كتبناها في صورتها الأخيرة، لا تتفق مع واقع التاريخ دون قيد أو شروط؛ لأن العملية لا تنتج تلقائيا كلما اجتمع الإنسان والتراب والوقت، إذ نرى في تاريخ الشعب الواحد فترات خالية من الحضارة؛ لأن الشعب لم يدخل في عملية التحضير، بل خرج منها في ظروف معينة، يقع فيها الأفول، إن المعادلة التي انتهينا إليها ليست صحيحة إلا بشروط بينها التاريخ؛ لأنه هو مختبر التجارب والعمليات الاجتماعية. أكاديمي وكاتب almilad@almilad.org
مشاركة :