كونا - اعتاد أهل الكويت منذ القدم على نزهات البر «الكشتات» وإقامة المخيمات الربيعية، فور اعتدال الجو وكسر حدة الحرارة، ليبتعدوا عن ضجيج المدينة والاستمتاع بمساحات واسعة من البساط الاخضر، حين تزهو الارض بألوان من النباتات البرية مزينة بأعناق الزهور الساحرة وبتلاتها.وقال الباحث في التراث الكويتي حسين القطان ان وسائل النقل الحديثة لم تكن متوافرة، لذا لم يكن وصول الناس الى مناطق التخييم سهلاً فاعتمدوا بالدرجة الأولى على أقدامهم لبلوغ مناطق الكشتات القريبة من المدينة مثل «السدر الأربعة» المشهورة بأربع أشجار سدر وارفة.وأضاف القطان لـ «كونا» ان وقت النزهة كان يبدأ من بعد صلاة الفجر الى مغيب الشمس، وكانت النسوة يجهزن معدات الرحلة من أمتعة ووجبات وأوان وحصر ومطاطير «ترمس الماء» ويضعنها في «زبيل» مغطى بالخياش «قطعة قماش مصنوعة من الليف» لحفظ الحرارة، ويحملنها على رؤوسهن حتى الوصول لمكان الكشتة.وذكر أن الريوق «وجبة الإفطار» كان يتكون من أشهى أصناف الطعام الكويتية، مثل «النخي والباجلاء» و«البقصم والدرابيل» مع الشاي، أو الحليب و«الرهش» وأقراص خبز التنور وخبز الخمير، كما كانوا يجهزون وجبة الغداء في البيوت مثل «الموّش أو المعدّس» او كانت تطهى على الحطب وقت النزهة.وأشار الى أنه بعد انتشار السيارات في الكويت ازدادت مواقع الكشتات، منها منطقة «اليديدة» وتقع في قبلي حولي، وفيها شجر سدر ضخم وكان الناس يستمتعون بظلال الشجر الوارف. كما كان للصبية أيضاً مكان معروف للكشتة، وهي منطقة الدسمة المتميزة بربيعها الأخضر، وكان الصبية ينصبون خيمهم البسيطة، وكانت عبارة عن مجموعة قطع من الخياش. وأفاد أن أماكن الكشتات والتخييم خلال خمسينيات القرن الماضي، ابتعدت عن المدينة لسهولة الوصول إليها، بركوب السيارة مثل منطقة «دمنة» القريبة من السالمية، وسد الدمنة «مكان مرتفع وتحته ماء» وضلع وضحة شرق قرية حولي سابقا، وهو عبارة عن صيهد «أرض مرتفعة عن مستوى الأرض المسطحة» وكان سكان قرية حولي من أكثر المتنزهين في ضلع وضحة.وذكر القطان انه خلال فترة الستينيات والسبعينيات صار توجه الأهالي للتخييم خلال فترة إجازة المدارس لمدة 15 يوما، أو كما تسمى «عطلة 15» التي تكون في منتصف العام الدراسي. وبين انه في تلك الفترة تغير طابع التخييم مع تطور السيارات والخيام وتوافر معدات البر وتنوعها في الأسواق، وكان من أشهر مناطق التخييم في تلك الفترة المنقف المشهورة بكثرة وجود شجر الاثل، والفنطاس بالقرب من المخيم الكشفي. ولفت الى ان فصل الربيع يعد من أجمل فصول السنة في الكويت، للاستمتاع بمنظر بساط الأرض الأخضر الزاخر بالنباتات والاعشاب والزهور البرية مثل الحوا والحمبزان والعرفج. وافاد ان أكثر استخدامات نبات العرفج كان لشب النار، كما كان هناك أيضا نبتة «أصابع العروس» التي يستمتع الصبية والبنات في اللعب بها، اضافة الى الحمض والرمث وعنصيل «وردة بنفسجية» والطراثيث.وقال القطان ان بر البيئة الكويتية يحفل في أيام الربيع والشتاء بالحشرات الصغيرة، مثل الحشرة المشهورة عند الأطفال «ام زيد» وهي من الخنافس، ولها جناحان جميلا الشكل وتشكل متعة للأطفال عند قلبها على ظهرها، وهم يغنون «يا ام زيد راوينا هدوم ولدج زيد» أو «يا أم زيد راوينه ثياب زيد الحمر والخضر والصفر». وذكر ان الاطفال كانوا يواصلون الغناء، حتى تقوم الحشرة بفتح جناحيها فتظهر ألوانها الجميلة فيصيح الأطفال «كا ام زيد طلعت هدوم ولدها زيد». واشار الى ان هناك ايضا حشرة «القبون» وهي حشرة سريعة الجري، وحشرة «البو بشير» التي يستبشر بها الكويتيون بالمطر والخير.وأوضح ان أيام الكشتات والتخييم في السبعينيات امتازت بجمال ونظافة البيئة، وبرودة فصلي الشتاء والربيع، وظهور النباتات والازهار وأيضا دخول البرامج الترفيهة في المخيمات من مسابقات وألعاب وغناء الأغاني التراثية ومسابقات محلات بيع المرطبات لرواد البر. واضاف ان الصبية كانوا يصنعون بأنفسهم الألعاب، مثل «الديرفة» باستخدام الحبال وتعليقها بأغصان الشجر والنبابيط وفخ صيد الطيور. واوضح انه مع بداية الثمانينيات توسع نطاق أماكن التخييم في البر وكبر حجم الخيام ومرافق المخيم، من مطبخ ودورات مياه وتلفزيونات رفهت حياة الناس البسيطة وغيرت من متعة التخييم القديمة والاستمتاع في البر.
مشاركة :