ما بعد قمة كامب ديفيد

  • 5/25/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لم تتغير أجندة الرئيس أوباما التي‮ ‬حرص على إعلانها من خلال الصحفي‮ ‬الشهير توماس فريدمان،‮ ‬في‮ ‬إبريل/نيسان الماضي،‮ ‬لم تتغير رسالته التي‮ ‬وجهها إلى دول الخليج العربية،‮ ‬والتي‮ ‬تجاوزت الدبلوماسية،‮ ‬واللياقة في‮ ‬حق أصدقاء تقليديين لأمريكا،‮ ‬حينما دعاهم‮ ‬للتصالح مع مواطنيهم،‮ ‬قبل الطلب من أمريكا التصدي‮ ‬لإيران‬،‮ ‬وهي‮ ‬رسالة تشكل رؤية أمريكا تجاه النظم السياسية العربية،‮ ‬سواء تلك النظم التي‮ ‬نجت من تداعيات ما سمي‮ ‬بالربيع العربي،‮ ‬أو التي‮ ‬تحاول لملمة أوضاعها الداخلية‮.‬ أمريكا ليست في‮ ‬عجلة من أمرها،‮ ‬تجاه تزايد أعداد الدول الفاشلة،‮ ‬واتساع مساحات الإرهاب والدمار،‮ ‬وتعطل التنمية،‮ ‬وهدر الامكانات،‮ ‬وتفتت النسيج المجتمعي،‮ ‬وأنهار الدم الجارية،‮ ‬المهم عند الإدارة الأمريكية هو ألا‮ ‬يتعرقل مسار الاتفاق النووي‮ ‬مع إيران،‮ ‬وأن تقدم منظومة الخليج العربية،‮ ‬شهادة حسن سلوك لإيران،‮ ‬يتسلح بها الرئيس أوباما أمام الجمهوريين في‮ ‬الكونغرس‮.‬ هذا هو المزاج الأمريكي‮ ‬في‮ ‬هذه اللحظات،‮ ‬ومزاج متلهف للاتفاق النووي،‮ ‬كثير التعقيد،‮ ‬ولا‮ ‬يقبل النقد‮.‬ تفاوضت إيران على هذا الاتفاق،‮ ‬طوال أكثر من عقد من الزمان،‮ ‬تفاوضت على قنبلة ليست لديها،‮ ‬وتريد الحفاظ على إمكان الحصول عليها في‮ ‬المستقبل‮.‬ قبل لقاء قمة كامب ديفيد،‮ ‬وضع فريق من الخبراء رفيعي‮ ‬المستوى،‮ ‬إطاراً‮ ‬لاستراتيجية أمريكية حول الشرق الأوسط،‮ ‬من خلال‮معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى‮‬،‮ ‬وهو المعهد المعروف بصلاته السياسية مع اللوبي‮ ‬الإسرائىلي‮‬،‮ ‬وشارك في‮ ‬وضع هذه الاستراتيجية،‮ ‬مستشارون سابقون للأمن القومي،‮ ‬وسفراء سابقون في‮ ‬تركيا وإيران،‮ ‬ودينيس روس،‮ ‬وخبراء جمهوريون وديمقراطيون،‮ ‬ومن المتوقع أن تكون عناصر هذه الاستراتيجية،‮ ‬وهي‮ ‬الإطار العام الذي‮ ‬سيحكم سياسات الإدارة الأمريكية في‮ ‬المرحلة المقبلة،‮ ‬وفي‮ ‬القلب من هذه الاستراتيجية،‮ ‬تقع إيران‮ - ‬بعد الاتفاق،‮ ‬كحليف وليس صديقاً‮ ‬مفترضاً،‮ ‬في‮ ‬حين‮ ‬يبقى الحلفاء التقليديون العرب في‮ ‬الخليج،‮ ‬مجرد أصدقاء‮.‬ بعد كامب ديفيد،‮ ‬هل‮ ‬غادرنا القلق،‮ ‬وغابت الهواجس،‮ ‬على وقع تطمينات‮ ‬ورزم‮ ‬دفاعية؟ هل عبرنا في‮ ‬علاقتنا الأمريكية‮ - ‬الخليجية عتبة الوضوح في‮ ‬الرؤية،‮ ‬وفحصنا الالتزامات الشفوية،‮ ‬وبما فيها ما وصفه الرئىس أوباما ب‮ الالتزام الأمني‮ ‬الصارم الحديدي ‮ ‬Ironclad commitment؟ هل سيحرص الطرف الأمريكي‮ ‬على مواصلة التعامل مع منظومة مجلس التعاون،‮ ‬كمنظومة واحدة،‮ ‬أم سيعود إلى التعامل ثنائىاً‮ ‬مع كل دولة؟ أسئلة كثيرة ومعقدة،‮ ‬تطرح في‮ ‬مرحلة ما بعد قمة كامب ديفيد،‮ ‬لكن أهم هذه الأسئلة تواجهنا نحن كعرب في‮ ‬حوض الخليج،‮ ‬مقاربتنا لأنفسنا كأعضاء في‮ ‬هذه المنظومة الإقليمية،‮ ‬ومقاربتنا لقوى عربية رسمية ومجتمعية فاعلة في‮ ‬وطننا العربي،‮ ‬ومقاربتنا لقوى إقليمية نشطة ومفتوحة شهيتها للنفوذ والاختراق،‮ ‬ومقاربتنا لأصدقاء وشركاء استراتيجيين في‮ ‬العالم مقاربة تكمن هواجسها في‮ ‬حسابات المستقبل‮.‬ إن التهديدات الراهنة،‮ ‬لا تنحصر فقط في‮ ‬الدواعش‮ ‬وغيرها من جماعات التطرف الديني‮ ‬العنيف والإرهابية،‮ ‬هناك العديد من التهديدات التي‮ ‬تعصف بالأمن القومي‮ ‬العربي،‮ ‬وبالمجتمعات العربية،‮ ‬وهناك صراعات مذهبية مدمرة،‮ ‬ودول فاشلة،‮ ‬وسياسات‮ ‬إسرائيلية‮ ‬متغولة،‮ ‬وإعاقة في‮ ‬التنمية والمشاركة والإصلاح،‮ ‬وهناك أوضاع إنسانية كارثية،‮ ‬وهناك قوى إقليمية مستعدة للنفخ في‮ ‬كثير من الحرائق في‮ ‬الوطن العربي،‮ ‬وهناك‮.. ‬وهناك‮.. ‬إلخ‮.‬ المرحلة المقبلة هي‮ ‬مرحلة مساومات إقليمية لجني‮ ‬الأرباح واقتسام النفوذ،‮ ‬وإعادة التوازنات‮.. ‬إلا أن هذه الأخيرة ستكون طويلة وقاسية ومتعددة الجبهات،‮ ‬وبدءاً‮ ‬من اليمن‮.‬ للشراكات الاستراتيجية في‮ ‬مجالات الأمنين الوطني‮ ‬والإقليمي،‮ ‬ميزات كثيرة،‮ ‬وللتحالفات مع الأقوياء كذلك،‮ ‬لكن كل ذلك لا‮ ‬يُغني‮ ‬عن خطوات ذاتية عديدة في‮ ‬إطار منظومة مجلس التعاون‮.‬ لنعترف،‮ ‬بأن منظومة مجلس التعاون،‮ ‬ورغم الاتفاقات الأمنية والعسكرية بين أعضائها طوال العقود الثلاثة الماضية،‮ ‬إلا أنها لم تتمكن من بناء قوة ردع وتوازن في‮ ‬الإقليم،‮ ‬وبخاصة بعد سقوط بغداد في‮ ‬عام‮ ‬2003،‮ ‬وفوز إيران بها‮.‬ لقد اعتمدت هذه المنظومة بشكل أكبر على‮ ‬الأمن المستورد‮‬،‮ ‬لخلق توازن قوى إقليمي‮ ‬حدث ذلك أثناء احتلال العراق للكويت،‮ ‬وتحريرها فيما بعد،‮ ‬لكن منذ سقوط بغداد،‮ ‬ازدادت معادلة التوازن خللاً،‮ ‬وانطلقت‮ ‬يد إيران وغيرها في‮ ‬هذا الفراغ‮ ‬الاستراتيجي‮ ‬الخليجي‮ ‬والعربي،‮ ‬وبخاصة بعد خروج مصر من المعادلة القومية لأسباب معروفة‮.‬ ولا شك أن الاختلاف بين أعضاء منظومة مجلس التعاون تجاه الأولويات الأمنية،‮ ‬وتحديد مصادر الخطر والتهديد،‮ ‬أسهم في‮ ‬اختلال معادلة الأمن وتوازن القوى‮.‬ كان لكل عضو في‮ ‬المنظومة خطط بديلة لدرء المخاطر،‮ ‬واختلفت الوسائل كذلك،‮ ‬البعض رأى أن ذلك‮ ‬يتم بالاحتواء،‮ ‬والبعض رأى بالمقاطعة،‮ ‬وآخر رآه بالانفتاح،‮ ‬وآخر رآه بصفقات التسلح‮.. ‬والبعض رآه باللعب مع‮ ‬الثعابي... ‬إلخ‮.‬ تقاطعت هذه الخطط والأولويات،‮ ‬وتضاربت في‮ ‬أكثر من مكان،‮ ‬وتعاملت مع قضايا بالغة الحساسية،‮ ‬بسياسات موسمية،‮ ‬ومعارك خاطفة ونكايات‮‬ لا طائل من ورائها‮.‬ في‮ ‬عاصفة الحزم والأمل‮ ‬مثلاً،‮ ‬صحيح أنها كانت حرب ضرورة وخارج الحسابات والمصالح الأمريكية،‮ ‬وقبيل إبرام الاتفاق النووي‮ ‬لمنع إيران من توظيفه لفرض دور لها في‮ ‬الجزيرة العربية،‮ ‬وإعادة استنساخ تجربة العراق،‮ ‬إلا أن‮ ‬العاصفة‮ ‬العسكرية كانت بحاجة إلى مشروع سياسي‮ ‬وتنموي‮ ‬جماعي‮ ‬يرفدها،‮ ‬وما زالت هذه الحاجة مطلوبة وحيوية‮.‬ إن ترميم المعادلة الإقليمية في‮ ‬الخليج العربي‮ ‬سيواجه في‮ ‬المدى المنظور صعوبات وخيارات قاسية ليس أقلها التحولات الجذرية في‮ ‬التوجه والأولويات الأمريكية تجاه المنطقة وقضاياها وبخاصة الانفتاح على إيران،‮ ‬وكيفية مواجهة الإرهاب،‮ ‬إضافة إلى قضايا الخرائط الجديدة،‮ ‬والتحلل الداخلي‮ ‬في‮ ‬أكثر من مكان في‮ ‬الوطن العربي،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن أطماع وأدوار جديدة ل‮ ‬إسرائيل‮ ‬ولتركيا وإيران‮.‬ حتى على مستوى القضايا العربية،‮ ‬التي‮ ‬جرى المرور عليها في‮ ‬قمة كامب ديفيد،‮ ‬فإنه ليس من الحكمة ولا المصلحة القومية،‮ ‬أن تدار هذه القضايا‮ - ‬وهي‮ ‬ساخنة ومتفجرة‮ - ‬فقط من خلال العلاقات الأمريكية‮ - ‬الخليجية،‮ ‬هناك مصر الجديدة والواعدة،‮ ‬وهناك المغرب والجزائر والأردن على سبيل المثال،‮ ‬وهناك نظام عربي‮ ‬إقليمي‮ ‬يحتاج إلى إنعاش وتفعيل بعيداً‮ ‬عن الانفعال والمغامرات‮ ‬الشخصية والحسابات‮ ‬القُطرية‮ ‬الضيقة‮.‬ الهواجس،‮ ‬تكمن في‮ ‬حسابات الغد،‮ ‬أكثر مما تكمن في‮ ‬الماضي،‮ ‬والمخاطر والتهديدات‮ ‬غير مسبوقة،‮ ‬تطال الخرائط والأدوار والهويات،‮ ‬ولا بديل عن بناء الذات الجمعية المتماسكة،‮ ‬وتغذيتها بالدفاعات المجتمعية والناعمة‮ ‬الباسلة‮.‬ المصير الجمعي،‮ ‬على المحك،‮ ‬ولا أحد آمن داخل شرنقته،‮ ‬ونخطئ إذا صدقنا أن حليفاً‮ ‬أو صديقاً‮ ‬ينوب عنا في‮ ‬حروبنا وأزماتنا‮.‬ لنستجب لقرع أجراس النذير،‮ ‬ونمتنع عن هواية هدر الفرص‮.‬

مشاركة :