بعد «الصدمة» الأممية التي أحدثتها «تغريدة» الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في شهر نوفمبر الماضي.. التي قال فيها: (إن وجود المستوطنات الإسرائيلية في أراضي الضفة الغربية.. لم تعد غير شرعية)!! والمبررات التلفيقية التي أدلى بها - فيما بعد - وزير خارجية «مايك بومبيو» عندما قال: (بعد دراسة جميع أوجه الخلاف القانوني بعناية.. توصلت الولايات المتحدة.. إلى أن المستوطنات الإسرائيلية «المدنية» في الضفة الغربية في حد ذاته لا يتعارض مع القانون الدولي)؟! و(الرفض) العالمي لـ»التغريدة» ولـ(مبرراتها) باعتبارهما يؤيدان (شرعنة الاحتلال) التي لا يقرها ميثاق الأمم المتحدة، و(اتفاقيات) جنيف (الأربعة) الشهيرة التي تم التوقيع عليها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م في العاصمة السويسرية (جنيف) عشية قيام (عصبة الأمم) فيها، والتي قرأها الأمريكيون بأنها تخلٍّ عن (مبدأ حل الدولتين) للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، وقرأها الفلسطينيون.. بأنها (إعلان حرب) عليهم وعلى دولتهم المستقبلية.. جاء دور (الكونجرس الأمريكي) الذي لا يأتي عادة عند بحث السياسات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، لأنها مناطة - حسب الدستور الأمريكي - بأربعة مراجع: (البيت الأبيض)، ووزارة الخارجية الأمريكية، ومستشار الرئيس للأمن القومي، وإدارة الاستخبارات المركزية الأمريكية أو الـCIA، ولكن لأهمية (سلام الشرق الأوسط) وحساسيته للولايات المتحدة نفسها.. و(لأمن إسرائيل).. فقد التقى أعضاؤه من الحزبين الرئيسين (الديموقراطي والجمهوري) يوم الجمعة السادس من شهر ديسمبر الماضي (لدراسة السلبيات في حل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، التي يمكن أن تجعل السلام - بينهما - بعيد المنال)!! فكان أن استعرض الأعضاء من الحزبين الرئيسين.. وبصورة ناقدة تلك السياسات التي يمكن أن تجعل السلام بعيد المنال، والتي من بينها: (الضم الأحادي الجانب.. كما تفعل إسرائيل، والخطوات الأحادية الجانب لقيام الدولة الفلسطينية.. كما تفعل «السلطة الفلسطينية في رام الله»، والعنف، وتوسيع المستوطنات)، وأنه عندما يبدو (السلام) بعيداً يكون صوت (الكونجرس) أكثر أهمية.. في الحيلولة دون قبول أي عمل يقوض مبدأ (حل الدولتين)!! كما قال التقرير الوحيد الذي تسرب عن ذلك الاجتماع! والذي أعقبه قيام عضو الكونجرس الديموقراطي: «آلون لوينثال» بطرح مشروع (حل الدولتين) للتصويت عليه! وهو يمهد لذلك بقوله: (لأكثر من عقدين ظلت الولايات المتحدة ثابتة بأن «حل الدولتين» هو السبيل الحقيقي الوحيد نحو السلام في الشرق الأوسط، والطريقة الوحيدة لحماية «إسرائيل» مع الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني وتطلعاته).. حيث جرى التصويت مجدداً على (مشروع) قرار (حل الدولتين).. ليفوز بـ(226 مقعداً).. مقابل معارضة 188 مقعداً، ليضيف آلون لوينثال بعد التصويت الإيجابي الذي حصل عليه قرار (حل الدولتين).. قائلاً: إن هذا القرار يعيد تأكيد مواقفنا من (مبدأ حل الدولتين)، وهو قرار غير حزبي، وغير مثير للجدل.. يوجه سياستنا الخارجية في ظل الدراسات «الديموقراطية» و»الجمهورية» التي قام بها الحزبان. *** على أي حال، يقول نص قرار الكونجرس المفاجئ والمنصف للفلسطينيين وأحلامهم في دولتهم المستقبلية: (فقط «حل الدولتين» الذي يعزز الاستقرار والأمن لإسرائيل والفلسطينيين، ويمكن أن يضمن بقاء إسرائيل!! وتحقيق الطموحات المشروعة للشعب الفلسطيني).. أما «لب القرار» ونقطة الارتكاز المحورية فيه أو بيت القصيد - كما يقول العرب - فإنه يدعو (الولايات المتحدة بدعم من الشركاء أن تتمكن من أن تلعب دوراً بناءً في إنهاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني بتقديم اقتراح لتحقيق «حل الدولتين» بما يتوافق مع مقترحات الولايات المتحدة السابقة)!! وهو ما يعني أن الكرة ستعود إلى ملعب الرئيس ترامب إن نجا من محاولة عزله، وجرى التجديد له في نوفمبر القادم لدورة ثانية في البيت الأبيض!؟ فالرئيس ترامب الذي جاء إلى البيت الأبيض - من عالم المقاولات وتجارة الأراضي - في واحدة من سلسلة المفاجآت الرئاسية الأمريكية.. وهو لا يعلم كثيراً أو قليلاً عن النزاعات السياسية الكبرى التي كانت تشغل العالم قبل انتقاله إلى عالم (السياسة) ووصوله إلى البيت الأبيض وفي مقدمتها.. النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني وما جرى فيه.. بداية من قرار التقسيم بين الطرفين الأممي الذي لم يُنفذ في عام 1947م، والحرب العربية - الإسرائيلية الأولى التي أعقبته في عام 1948م.. أو محاولات الرئيس الأمريكي السابق «جيمي كارتر» في كامب ديفيد لحل النزاع بين الطرفين، أو إبرام اتفاق «أوسلو» عام 1992م بين «رابين» و»عرفات» والذي جرى من وراء ظهر الولايات المتحدة الأمريكية، والذي توقف عند تطبيق مرحلته الثالثة والأخيرة منه.. وصولاً إلى (حل الدولتين) الأمريكي الذي ظهر سياسياً في مطلع هذا القرن.. لكن الرئيس الأمريكي ترامب الذي لم يكن يعرف كل ذلك التاريخ الطويل والدامي بين إسرائيل والفلسطينيين.. اختار خلال ممارسة صلاحياته في البيت الأبيض أن يكون إلى جانب «إسرائيل» سواء بدعوة لنقل سفارة بلاده إلى القدس الشرقية، أو الاعتراف بها (عاصمة) لإسرائيل.. وأخيراً بـ(تغريدته) في (شرعنة) الاستيطان الإسرائيلي في أراضي الضفة الغربية الفلسطينية.. أما مبدأ (حل الدولتين) لإنهاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني فقد ظل يراوغ ويراوح حوله: فمرة يقبله، ويدعو له.. ومرات ينكره وهو الأمر الذي يحط بمكانة الولايات المتحدة واحترام العالم لها، فهي صاحبة فكرة (حل الدولتين) بداية من عام 2003م.. وهي التي أعادت تأكيده في عام 2016م بـ(التفاهم) مع إسرائيل، وأحسب أن لهذه الظروف السياسية الأمريكية مجتمعة تدخل (الكونجرس) للتصويت مجدداً على مبدأ (حل الدولتين)، ليفوز بتلك الأغلبية الساحقة!؟ وعلى الرئيس الأمريكي أيًا كان هو.. أن يلتزم بتوجيهاته حفاظاً على مكانة الولايات المتحدة الأمريكية وسمعتها السياسية ودورها في العالم. *** أما الفلسطينيون الغاضبون من الولايات المتحدة الأمريكية.. وهم على حق نتيجة لسلسلة المواقف المعادية لهم التي اتخذها الرئيس ترامب ضدهم خلال سنواته الثلاث الماضية في البيت الأبيض.. فإنهم مدعوون - بعد قرار الكونجرس - لترك ملفات (الغضب والرضا) جانباً.. إذا جاءهم الرئيس ترامب أو غيره.. وبيده الموافقة على (مبدأ حل الدولتين)!! ليجري الاتفاق بعدها.. على موعد (إعلان) الاعتراف الأمريكي بـ(الدولة الفلسطينية) المستقلة، الذي كان مقدراً له أن يتم في أواخر تسعينات القرن الماضي. وبعد.. فقد جاء قرار الكونجرس - وإن كان غير ملزم - في وقته، وكان أبلغ رد على العشوائية السياسية التي اتسمت بها السياسات الأمريكية أخيراً.
مشاركة :