الحرب الأهلية في جنوب السودان تودي بالاقتصاد إلى شفير الهاوية

  • 5/25/2015
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

جوبا - أ ف ب - تتراكم الأزمات في جنوب السودان ليضاف ارتفاع معدل التضخم وانهيار مرتقب للعملة إلى كارثة إنسانية في حرب أهلية مستمرة منذ 17 شهراً اتسمت باعتداءات وحشية ضد المدنيين. وتركزت المعارك الأخيرة بين الحكومة والقوات المتمردة في آخر الحقول النفطية المنتجة في البلاد، ما يهدد موازنة هذه الدولة التي تعتمد في شكل وثيق على عائدات النفط. وخلال السنوات الأربع الماضية، منذ نشوء دولة جنوب السودان، كانت الأرباح النفطية تشكل أكثر من 90 في المئة من عائدات الحكومة. وتضم هذه الدولة الجديدة ثالث أكبر احتياطات نفطية في أفريقيا شرق الصحراء، ما يعني أنها واحدة من اقتصادات العالم الأكثر اعتماداً على النفط. أما اليوم، فأصبحت الدولة تعتمد في شكل رئيسي على الدعم الخارجي أمام تقارير للأمم المتحدة تشير إلى أن أكثر من نصف سكان جنوب السودان الذين يبلغ عددهم حوالى 12 مليون شخص، في حاجة إلى مساعدات طارئة إلى درجة أن بعض المناطق تقف على شفير المجاعة. واندلع القتال في كانون الأول (ديسمبر) 2013، حين اتهم الرئيس سلفاكير نائبه السابق رياك مشار بمحاولة الانقلاب على الحكم. ويكرر المجتمع الدولي تهديداته بفرض عقوبات جديدة في ظل تقارير حول انتهاك حقوق الإنسان من مجازر واغتصاب وتدمير ممنهج للبلدات. وشنت القوات الحكومية الشهر الماضي، هجوماً ضخماً ضد مواقع المتمردين في ولاية الوحدة في شمال البلاد، وعُلّق الإنتاج النفطي العام الماضي، كما عُلّق أيضاً في ولاية جونقلي شرقاً. وأطلق المتمردون الأسبوع الماضي، هجوماً واسعاً مضاداً ضد القوات الحكومية شمل مدينة ملكال عاصمة ولاية أعالي النيل، حيث آخر الحقول النفطية المنتجة. ويقول المتمردون أنهم «يسعون إلى السيطرة على بالوش»، المنطقة التي يضَخ منها الإنتاج النفطي المتبقي إلى السودان. وستعني خسارة هذه المنطقة ضربة قاسية للاقتصاد المترنح أصلاً. ويقول لوك باتي، الباحث في المعهد الدنماركي للدراسات الدولية وصاحب كتاب «ملوك النفط الجدد» حـــــول النفط في السودان وجنوب السودان، أن «بالوش هـــي الممر لاقتصاد جنوب السودان بالكامل. وفي حال الســـيطرة عليها ووقف الإنتاج، سيتشجع المتمردون لإعلان نصر عسكري أو سيستخدمون النفط كورقة تفـاوض للحصول على دور أكبر في الحكومة المقبلة». ونقلت محطة التلفزيون الحكومية الأسبوع الحالي مشاهد مصورة لقتال في ميلوت (35 كيلومتراً غرب بالوش) تُظهر معارك عنيفة تُستخدم فيها الدبابات مدعومة من الطوافات، يُعتقد أنها تعود إلى أوغندا الداعمة لكير، وهي تقصف مواقع المتمردين في المدينة. وانخفض الإنتاج النفطي بنسبة 40 في المئة، وكان إنتاج البلاد قبل المعارك يصل إلى 240 ألف برميل يومياً. وتقول الحكومة أن «الإنتاج بلغ 164 ألف برميل يومياً»، فيما يرجّح محللون أن يصل إلى أقل من 130 ألفاً يومياً، على رغم أنه لا يزال المصدر الرئيسي للدخل بالعملات الأجنبية، عبر عائدات مباشرة أو استدانات تعتمد على إنتاج مستقبلي. ومن دون حقول النفط، تخسر جوبا مصدر الدخل الرئيسي لتمويل الحرب. وحذر باتي، من أن سقوط بالوش قد «يُصعّد لحرب إقليمية أوسع» تُغرق كلاً من السودان الذي يعتمد على عائدات نقل النفط من الجنوب إلى الخارج عبر أنابيب تمر في أراضيه، وأوغندا التي كانت أرسلت قواتها لدعم كير. ولا تقتصر المعاناة على مواطني جنوب السودان العالقين في المعارك، بل تمسّ أيضاً البعيدين من جبهات القتال. يقول لورين عوديل، وهو رأس عائلة مؤلفة من ثمانية أشخاص، أن سعر 50 كيلوغراماً من الدقيق ارتفع ثلاثة أضعاف العام الحالي، فضلاً عن ارتفاع أسعار مواد غذائية أخرى مثل الرز والزيت. وأضاف عوديل الذي يعمل في إحدى منظمات المساعدات الدولية: «إذ استمر الوضع على حاله، فإن أشخاصاً كثراً لن يستطيعوا تأمين الطعام حتى». وتواصل أسعار المواد الغذائية الارتفاع في شكل ملحوظ، إضافة إلى ازدياد الطوابير أمام المحال التجارية، كما تزداد طوابير السيارات أمام محطات الوقود، وتندر وسائل النقل العام في ظل النقص في المواد البترولية. وقال القيادي المعارض لام أكول أن «ارتفاع الأسعار يدفع بشعبنا إلى شفير الهاوية. لم يعد في استطاعتهم شراء المواد الغذائية الأساسية وحاجيات يومية أخرى». ويساوي الجنيه في السوق السوداء اليوم أقل من خُمس معدل السعر الرسمي وهو ثلاثة جنيهات للدولار. ففي السوق السوداء يساوي الدولار 16 جنيهاً. وأوضح أكول: «نعاني اليوم ارتفاعاً في معدل التضخم، فالفجوة الكبيرة بين سعري الصرف حوّلت الدولار من عملة إلى سلعة»، مشيراً إلى أن «بعض المسؤولين استغلوا الأمر للحصول على أرباح». وردّ الناطق الرئاسي أتيني ويك أتيني على القيادي المعارض قائلاً أن الانتقادات التي تشير إلى أن الحكومة تصرف 40 في المئة من الموازنة على الدفاع «لا مبرر لها». وقال: «إن البلاد في حالة حرب، وتزامن ذلك مع الانخفاض العالمي لسعر برميل النفط»، موضحاً أن «الاقتصاد لا ينهار، وإذا كان أكول يتمنى انهيار اقتصاد جنوب السودان فعليه أن ينتظر طويلاً جداً». ولا يشعر الجميع بمعاناة الحرب فالبعض في العاصمة جوبا يحصلون على أرباح مرتفعة. يقول رجل أعمال لبناني رفض الكشف عن اسمه: «هناك حاجة دائمة إلى بعض البضائع». وينظر إلى المدينة من على كرسيه في مقهى يقع على سطح فندق فخم، ويقول أن «المكاسب جيدة».

مشاركة :