تتراكم الأزمات في جنوب السودان ليضاف ارتفاع معدل التضخم وانهيار مرتقب للعملة إلى كارثة إنسانية في حرب أهلية مستمرة منذ 17 شهرا اتسمت بالاعتداءات الوحشية ضد المدنيين. وبحسب "الفرنسية"، فقد تركزت المعارك الأخيرة بين الحكومة والقوات المتمردة في آخر الحقول النفطية المنتجة في البلاد. وخلال السنوات الأربع الماضية، منذ نشوء دولة جنوب السودان، كانت الأرباح النفطية تشكل أكثر من 90 في المائة من عائدات الحكومة، حيث تضم الدولة الجديدة ثالث أكبر احتياطيات نفطية في إفريقيا شرق الصحراء، ما يعني أنها واحدة من اقتصادات العالم الأكثر اعتمادا على النفط. وتشير تقارير للأمم المتحدة إلى أن أكثر من نصف سكان جنوب السودان الـ 12 مليونا بحاجة إلى مساعدة طارئة حتى إن بعض المناطق تقف على شفير المجاعة، وأصبحت الدولة تعتمد بشكل أساسي على الدعم الخارجي. واندلع القتال في كانون الأول (ديسمبر) 2013 حين اتهم الرئيس سلفا كير نائبه السابق رياك مشار بمحاولة الانقلاب على الحكم. وأطلق المتمردون في جنوب السودان الأسبوع الماضي هجوما مضادا واسعا ضد القوات الحكومية شمل مدينة ملكال عاصمة ولاية أعالي النيل حيث آخر الحقول النفطية المنتجة. ويسعون إلى السيطرة على "بالوش" المنطقة التي يضخ منها الإنتاج النفطي المتبقي إلى السودان، وبالتالي فإن خسارتها تعني ضربة قاسية لاقتصاد مترنح أصلا. وفي هذا الصدد يوضح لوك باتي، صاحب كتاب "ملوك النفط الجدد" حول النفط في السودان وجنوب السودان، أن "بالوش" هي الممر لاقتصاد جنوب السودان بالكامل، وفي حال تمت السيطرة عليها وأوقف الإنتاج، فإن المتمردين سيتشجعون للإعلان عن نصر عسكري أو سيستخدمون النفط كورقة تفاوض للحصول على دور أكبر في الحكومة المقبلة. وانخفض الإنتاج النفطي بنسبة 40 في المائة، إذ كانت تنتج البلاد قبل المعارك 240 ألف برميل يوميا، وتقول الحكومة "إن الإنتاج بلغ 164 ألف برميل يوميا" فيما يعتقد محللون أنه قد يصل إلى أقل من 130 ألفا، على الرغم من أنه لا يزال المصدر الرئيسي للدخل الخارجي إن كان عبر عائدات مباشرة أو استدانات تعتمد على إنتاج مستقبلي. ومن دون حقول النفط تخسر جوبا مصدر الدخل الرئيسي لتمويل الحرب، وحذر باتي، الباحث في المعهد الدنماركي للدراسات الدولية، من أن سقوط بالوش قد يُصعد لحرب إقليمية أوسع تغرق كل من السودان، الذي يعتمد على عائدات نقل النفط من الجنوب إلى الخارج عبر أنابيب تمر في أراضيه، فضلا عن أوغندا التي أرسلت قواتها لدعم الرئيس سلفا كير. ولا تقتصر المعاناة على مواطني جنوب السودان العالقين في المعارك بل أيضا تمس الحرب هؤلاء البعيدين عن جبهات القتال. ويقول لورين عوديل، على رأس عائلة من ثمانية أشخاص، "إن سعر 50 كيلوجراما من الدقيق ارتفع ثلاثة أضعاف العام الحالي، فضلا عن مواد غذائية أخرى مثل الأرز والزيت". وتابع، وهو الذي يعمل لدى منظمة مساعدات دولية، "إنه إذ استمر الوضع على حاله فإن كثيرا من الأشخاص لن يحصلوا حتى على الطعام الضروري للبقاء على قيد الحياة". وفيما تواصل أسعار المواد الغذائية الارتفاع، تتزايد طوابير المواطنين أمام المحال، كما طوابير السيارات في محطات الوقود في ظل النقص في هذه المشتقات البترولية، أما وسائل النقل العام فأصبحت محدودة. ويقول القيادي المعارض لام أكول "إن ارتفاع الأسعار يدفع بشعبنا إلى شفير الهاوية، فلم يعد باستطاعتهم شراء المواد الغذائية الأساسية وحاجيات يومية أخرى". ويساوي الجنيه في السوق السوداء أقل من خمس معدل السعر الرسمي وهو ثلاثة جنيهات للدولار الواحد، وفي السوق السوداء يعادل الدولار الواحد 16 جنيها". ويعتبر ساكي مايكل (27 عاما)، الذي أصبح يأكل وجبة واحدة في اليوم، أنه ليس هناك نظام متمكن للسيطرة على تضاعف الأسعار في ظل ارتفاع معدلات الدولار. أما القيادي المعارضي فيوضح أنهم يعانون اليوم ارتفاعا في معدل التضخم، فالفجوة الكبيرة بين سعري الصرف حولت الدولار من عملة إلى سلعة، مشيرا إلى أن بعض "المسؤولين" استغل الأمر للحصول على أرباح. أما أتيني ويك أتيني، المتحدث الرئاسي، فقال "إن الانتقادات التي تشير إلى أن الحكومة تصرف 40 في المائة من الميزانية على الدفاع لا مبرر لها"، نافياً اتهامات القيادي المعارض. وبحسب أتيني، فإن عليهم أن يعلموا أن البلاد في حالة حرب وقد تزامن ذلك مع انخفاض عالمي في سعر النفط، ومع ذلك فإن الاقتصاد لا ينهار، وإذا كان أكول يتمنى انهيار اقتصاد جنوب السودان فعليه أن ينتظر طويلا جدا. ولا يشعر الجميع بمعاناة الحرب فالبعض في العاصمة جوبا يحصلون على أرباح مرتفعة، ويقول رجل أعمال لبناني رفض الكشف عن اسمه، "إن هناك حاجة دائمة لبعض البضائع"، ويضيف رجل الأعمال وهو ينظر إلى المدينة من على كرسيه فوق سطح فندق فخم "إن المكاسب جيدة".
مشاركة :