يعتقد كثيرون أن الذكاء الاصطناعي يشكل أكبر تهديد لمستقبل البشرية، الذي ربما يتجسد في الروبوتات الخبيثة، لكن مع بداية العقد الثالث من الألفية، ليس التفرد ما يجب أن نخشاه، بل عدو أكبر: أنفسنا. لا يجب أن نفكر في فيلم "المدمر"، بل في فيلم "تقرير الأقلية"؛ نحن نعمل على تطوير تكنولوجيا قراءة العقول بسرعة دون أي وسائل فعالة لكيفية التحكم فيها. تخيل، ولو للحظة، أن البشر قد تطوروا ليصبحوا قادرين على قراءة عقول بعضهم بعضا، فكيف سيكون تأثير ذلك؟ للإجابة عن هذا السؤال، يطلب منا ألكساندر فريدمان الرئيس التنفيذي السابق لشركة GAM للاستثمارات التفكير في الحوارات الداخلية الخاصة بنا، من الآمن أن نفترض أن كل واحد منا لديه أفكار من شأنها أن تكون صادمة "أو خاصة" حتى لأولئك الأقرب إلينا، كيف سيكون رد فعل أولئك الذين لا يهتمون لأمرنا حينما يصبحون قادرين على سماع ما يدور في رؤوسنا من حوارات فارغة؟ هل كانوا سيعدونها مجرد حوارات عابرة؟ أم أن البعض قد يستجيب بشكل انتهازي، مستفيدين من الأفكار التي لم نرغب في إظهارها؟ لم يمكننا التطور من قراءة العقول، لأن تلك القوة قد تدمر الجنس البشري، بدلا من ذلك، نظرا إلى أن أسلافنا القدامى كانوا منظمين في مجموعات للحماية، تعلم معظمنا ما يمكن أن يقال وما كان من الأفضل إخفاؤه. مع مرور الوقت، أصبحت هذه سمة إنسانية متطورة للغاية أسهمت في تكوين المجتمعات، وبناء المدن، وتوحيد مئات من الأشخاص المجهدين، عادة من دون مهاجمة زملائهم، إنه يشكل جزءا أساسيا مما نسميه الآن بالذكاء العاطفي EQ. ومع ذلك، بدأت التكنولوجيا الآن في تهديد هذا التكيف التطوري الضروري بطريقة أساسية. تتمثل المرحلة الأولى في شبكات التواصل الاجتماعي؛ أكد "فيسبوك" هذا المسار عندما أثر التلاعب الروسي في نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، ويزيد "تويتر" من حدة هذا الاتجاه، حيث يمكّن المستخدم من التخلص من فكرة أو عاطفة عابرة قد تتم مشاركتها بعد ذلك مع ملايين؛ تخيل كيف كافح قادة كوريا الشمالية لتفسير تغريدة الرئيس دونالد ترمب حول "النار والغضب"، هل كان تهديدا حقيقيا من زعيم أمريكي جديد وغير منتظم، أم مجرد كلام عابر "وميض عقلي من الأفضل تجاهله"؟ في عالم القوى العظمى الثنائي القطبية، تم تثبيت خط الهاتف الساخن الأمريكي-السوفياتي الشهير كوسيلة لتوضيح نوايا كل جانب، خشية أن يكون هناك سوء فهم قد يختفي العالم على أثره تحت سحابة السلاح النووي. اليوم، في عالمنا الأكثر تعقيدا الذي تحركه تهديدات متعددة الأقطاب وغير متماثلة، تقدم شبكات التواصل الاجتماعي لجميع الراغبين مكبرات صوت عملاقة غير محررة، أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي أداة يمكن أن تقوض الديمقراطية؛ ومع ذلك، فهي مجرد لعبة أطفال مقارنة بما نواجهه اليوم. أعلنت الشركات الناشئة ومتعددة الجنسيات أخيرا عن ابتكارات مذهلة تتيح القراءة الذهنية؛ تسعى شركة "نيورالينك" الناشئة التي أسسها اٍيلون ماسك إلى الحصول على موافقة من أجل إجراء تجارب بشرية على جهاز مزروع في أدمغة المستخدمين لقراءة أفكارهم، طورت شركة نيسان تقنية "من العقل إلى السيارة" التي تمكن السيارة من قراءة التعليمات من خلال قراءة أفكار السائق، قامت شركة فيسبوك بتمويل العلماء الذين يستخدمون الموجات الدماغية لفك تشفير الكلام، تظهر إحدى المقالات الحديثة في مجلة "نيتشر" العلمية كيف يمكن للذكاء الاصطناعي إيجاد خطاب من خلال تحليل إشارات الدماغ، طور الباحثون في جامعة كولومبيا تقنية يمكنها تحليل نشاط الدماغ لتحديد ما يريده المستخدم والتعبير عن رغباته عبر مركب الحديث. من الواضح أن هذه التكنولوجيات يمكن أن تقدم فوائد حقيقية، بما في ذلك من خلال مساعدة أولئك الذين يعانون الشلل أو الاضطرابات العصبية، لقد تم تنفيذ أمثلة مبكرة من الجراحات العصبية: مثل عملية زرع قوقعة الأذن، التي تمكن الشخص الأصم من السمع، أو الأجهزة الواعدة التي يمكن أن تسمح للمكفوفين بالرؤية. لكن هناك أيضا تطبيقات محتملة أكثر تطورا، مثل تمكين شركات الإشهار من تقديم عروضها حسب رغبات الأفراد غير المعلنة، أو أصحاب العمل من التجسس على الموظفين، أو الشرطة من مراقبة النوايا الإجرامية المحتملة للمواطنين على نطاق واسع، على غرار متابعة أخبار سكان لندن اليوم على إذاعة CCTV. يعد تطبيق "توك توك" ToTok تحذيرا مبكرا، وهو أحد أكثر تطبيقات الوسائط الاجتماعية التي يتم تحميلها، التي تم الكشف عنها أخيرا، ماذا يحدث إذا تم اختراق أجهزة قراءة الأفكار؟ من الصعب تخيل مجال خصوصية بيانات ذي صلة أكبر من الموجود في الدماغ البشري. يعتقد ماسك أن واجهات الدماغ ستكون ضرورية للبشر لمواكبة الذكاء الاصطناعي، يعيدنا هذا إلى قصة رعب الخيال العلمي "تقرير الأقلية" The Minority Report عن فيليب ك. ديك "المقتبسة من فيلم تقرير الأقلية عام 2002"، تخيل الآثار الأخلاقية والقانونية والاجتماعية الشائكة لشرطي يوقف جريمة قبل حدوثها، لأن بإمكانه "تقييم" نية الفرد المحتملة من خلال قراءة موجات دماغه، متى يتم ارتكاب الجريمة؟ متى يقوم المرء بالتفكير فيها؟ متى تبدأ الأحداث التي تعبر عن الفكر في الواقع؟ متى يتم توجيه السلاح؟ متى يتم الضغط على الزناد؟ يتمثل التحدي الرئيس للابتكار التكنولوجي في أنه عادة ما يستغرق المجتمع وقتا طويلا للحاق بالركب، وفهم الآثار الأوسع المترتبة على كيفية استخدام التكنولوجيا الجديدة وإساءة استخدامها، وتوفير الأطر القانونية والتنظيمية المناسبة لتنظيم سلوكها. في العقد الثاني من هذه الألفية، انتقلت شبكات التواصل الاجتماعي من أداة للاتصال إلى منصة ذات قوة هائلة لنشر الأكاذيب والتلاعب بنتائج الانتخابات، يناقش المجتمع الآن كيفية استخدام أفضل لهذا الابتكار، مع التخفيف من إمكانية إساءة استخدامه، ربما، قبل أن ندرك الأمر، فسيواجهنا العقد الثالث من الألفية بتحديات تكنولوجية أكثر تبعية.
مشاركة :