تعمل الأحزاب والميليشيات الشيعية المهيمنة على مقاليد السلطة في العراق، على تحويل مقتل القائد السابق لفيلق القدس ضمن الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس، الأسبوع الماضي، في غارة جوية أميركية على مطار بغداد، من خسارة مدويّة إلى مكسب، وذلك عبر استغلال الحادثة في ضرب الانتفاضة الشعبية الكبيرة تحت ذريعة أن لا صوت يعلو على صوت المعركة الأم ضدّ الولايات المتّحدة. وتحوّلت موجة الاحتجاجات العارمة المتواصلة منذ مطلع أكتوبر الماضي إلى معضلة مهدّدة لتماسك واستمرار النظام العراقي بعد أن استعصى وقفها سواء باعتماد المناورات السياسية، أو باللّجوء إلى الحلّ الأمني باستخدام أشكال متعدّدة من القمع، من قتل المتظاهرين في الساحات إلى ملاحقة النشطاء البارزين بالحراك الاحتجاجي واغتيال بعضهم واختطاف البعض الآخر. ويتخوّف المحتجّون من أن يتمّ اتخاذ مقتل سليماني والمهندس ذريعة لإطلاق يد الميليشيات بشكل غير مسبوق للسيطرة على الشارع بقوّة السلاح ومعاملة كل من يخرج للتظاهر أو يشارك في الاعتصامات كـ“عميل للولايات المتحدة” يستحق التصفية. وتراهن الأحزاب والميليشيات الشيعية بالتوازي مع خيار القوّة المميتة، على استغلال مقتل سليماني والمهندس لدغدغة مشاعر الأوساط الشيعية التي لطالما مثّلت حاضنتها الشعبية، قبل أن تنفصل عنها محمّلة إياها مسؤولية الفشل الذريع في إدارة الدولة منذ قرابة السبعة عشر عاما، وشيوع الفساد، والتراجع الشامل لمختلف النواحي الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. وقد تعمّقت الهوّة بين الطرفين عندما انحازت تلك الميليشيات والأحزاب ضدّ خيارات الشارع وانضمّت بقوة إلى موجة التحريض ضدّ المحتجّين وانخرطت في قمعهم. ومثّل تشييع قتلى الغارة الأميركية وطواف جثامينهم على بغداد وكربلاء والنجف، مناسبة للميليشيات والأحزاب لاستعراض القوّة الجماهيرية بعد أن استقطبت عملية التشييع حضورا لافتا من المتعاطفين مع القتلى. وشهدت مدينة الناصرية بجنوب البلاد، الأحد، مواجهات بين عناصر ميليشيا مسلحة ومحتجين رفضوا دخول مسيرة جنائزية لتشييع رمزي لسليماني والمهندس إلى شارع الحبوبي وسط المدينة، ما أدى إلى إصابة ثلاثة متظاهرين بجروح جراء إطلاق نار من الميليشيا المرافقة للمشيّعين. وأعلن، الاثنين، عن وفاة متظاهر متأثرا بإصابته بالرصاص خلال مواجهات الأحد، وهو الثاني الذي لقي حتفه خلال أربع وعشرين ساعة. ويمثّل تحويل نقمة الشارع ولو جزئيا من إيران إلى الولايات المتّحدة، مكسبا بحدّ ذاته للطبقة السياسية الشيعية القائدة للنظام العراقي، بعد أن كانت طهران وسياساتها في العراق موضع غضب المتظاهرين والذي تجلّى في الشعارات المرفوعة ضدّها من قبيل “بغداد تبقى حرّة وإيران على برّة” وفي الاستهداف المتكرّر من قبل المحتجّين لقنصليّتيها في النجف وكربلاء والهجوم عليهما بالزجاجات الحارقة وإنزال العلم الإيراني من فوق مقرّيهما ورفع العلم العراقي في مكانه. وقال السياسي العراقي أثيل النجيفي الذي سبق له أن شغل منصب محافظ الموصل حتّى غزوها من قبل تنظيم داعش صيف سنة 2014 إنّ السياسيين والنواب العراقيين “يستمرون في تحشيد الشارع ضد الولايات المتحدة ليعززوا دور المشروع الإيراني ويهربوا من استحقاق المظاهرات”، مضيفا في تغريدات عبر تويتر “معركة العراقيين مع الفساد ونقص الخدمات وضعف الأمن الداخلي وسيطرة الفصائل خارج إطار الدولة، أهم من الشعارات التي ترفع لجعل العراق جرما صغيرا في فلك الصراع الإيراني الأميركي”. وتفاعل الشارع العراقي مع الأحداث التي أعقبت مقتل سليماني والمهندس، وهتف المحتجّون في عدّة مدن عراقية بشعار “لا للاحتلالين الأميركي والإيراني” ورفعوا في الديوانية بجنوب البلاد لافتات كتب عليها “سلام لأرض السلام، خلقت للسلام وما رأت يوما سلاما”. وقال المتظاهر رعد إسماعيل وهو طالب جامعي، لوكالة فرانس برس “نرفض القتال بالإنابة على أرض العراق وخلق الأزمات تلو الأزمات. ونحذر من أن يتم تجاهل مطالبنا تحت أي ذريعة كانت”. وفي كربلاء خرجت تظاهرة طلابية تندد بالتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للبلاد وخرق سيادة العراق، وطالبت بإخراج العراق من ساحة تصفية الحسابات الإقليمية. وقال الطالب أحمد جواد كاظم “نعلن اليوم استنكارنا ورفضنا التام للتدخلات الأميركية وعمليات القصف التي حدثت في العراق”. وأضاف “كما نرفض أن يصبح العراق ساحة للصراعات الدولية والإقليمية الإيرانية والأميركية، فمن يذهب نتيجة هذا الصراع هو المواطن العراقي”. وفي كربلاء أيضا، أعرب الطالب علي حسين عن قلقله من التصعيد، خصوصا في ظل الفراغ بعد استقالة حكومة عادل عبدالمهدي واستعصاء تسمية مرشح جديد أو تحديد موعد لانتخابات نيابية مبكرة يطالب بها الشارع. وقال الشاب “نستنكر الأحداث التي وقعت في العراق بالاعتداء على سيادته من خلال الاعتداء على مقرات القوات الأمنية والحشد الشعبي وكذلك نستنكر الاعتداء الذي حصل بالقرب من مطار بغداد”. وأضاف “هذا يعبر عن عدم وجود دولة في العراق”.
مشاركة :