يعقد وزراء خارجية مصر وفرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص، الأربعاء، اجتماعا تنسيقيا بالقاهرة، يبحث التطورات المتسارعة في المشهد الليبي مؤخرا، عقب إعلان تركيا إرسال قوات إلى العاصمة طرابلس لمساندة حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، في مواجهة تقدم الجيش الوطني الليبي. وأكد بيان للخارجية المصرية، الاثنين، أن الاجتماع سيناقش “سبل دفع جهود التوصل إلى تسوية شاملة تتناول كافة أوجه الأزمة الليبية، والتصدي إلى كل ما من شأنه عرقلة تلك الجهود”. وكان من المقرر أن يعقد الاجتماع يومي السبت والأحد، من دون إيطاليا، لكن سخونة الأحداث وتطوراتها المتسارعة فرضت ضم روما إليه، لتصبح القمة خماسية بدلا من رباعية، للتباحث بشأن الآليات اللازمة للتعامل مع أنقرة. وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مساء الأحد، أن قوات تركية بدأت بالفعل التوجه إلى ليبيا بشكل تدريجي، بعد أن وافق البرلمان التركي على إرسال قوات لدعم حكومة الوفاق التي تتخذ منها الميليشيات الإسلامية واجهة سياسية. وتمنح مشاركة إيطاليا بعدا مهما للقاء القاهرة، لأنها طرف رئيسي في تحالف قبرص واليونان وإسرائيل الذي يستهدف تدشين خط “إيست ميد” لنقل الغاز إلى أوروبا، كما أنها عنصر مشترك في الأزمة المزدوجة التي صنعتها تركيا في كل من شرق المتوسط وليبيا. التطورات المتسارعة فرضت ضم إيطاليا، لتصبح القمة خماسية بدلا من رباعية، لبحث الآليات اللازمة للتعامل مع أنقرة وتولي أجندة الاجتماع اهتماما بالغا بالآليات الواجبة في التعامل مع التصعيد التركي على الجبهتين، وإيجاد أدوات فعالة لكبح التمدد بحكم الأمر الواقع الذي يسعى إليه أردوغان، وتبني تصورات موحدة كي يتم تضييق الخناق عليه. وأحاطت الخارجية المصرية، الأحد، عددا من سفراء الدول الأوروبية، والسفير الأميركي بالقاهرة، بطبيعة الموقف المصري من التطورات على الساحة الليبية، وجرى استعراض تفاصيل ما يمكن أن تحدثه خطوة التدخل التركي من تداعيات على دول المنطقة. وأكدت القاهرة للسفراء أنها لن تقف مكتوفة الأيدي، إذا لم تكن هناك تحركات دولية جماعية، ملمحة إلى أن “كل الخيارات مفتوحة أمامها للدفاع عن أمنها القومي، بما فيها العمل العسكري”، ومن المهم أن تكون هناك تحركات جماعية لتحجيم أردوغان. وقالت مصادر لـ”العرب” إن الرسالة المصرية للسفراء الغربيين كانت قوية وحاسمة أكثر من أي وقت مضى، لأن هناك ما يشبه التراخي في التعامل مع توجهات أردوغان، وهو ما أدى إلى تماديه في تصرفاته التي لا تعير اهتماما للمجتمع الدولي والقوى الرئيسية فيه. وتضع مصر في اعتبارها جميع الخيارات في التعامل مع التهديدات التركية، فهي من جهة تظهر استعدادها لاستخدام القوة من خلال المناورات المختلفة التي تجريها قطعها البحرية في مياهها الإقليمية في البحر المتوسط، ومن جهة ثانية تنشط على الصعيد الدبلوماسي لتكوين شبكة تتصدى لأنقرة سياسيا. وأشارت بعض الدوائر لـ“العرب” إلى أن القاهرة تستخدم كل الأدوات الممكنة لمنع أردوغان من التمركز في ليبيا، وتحركاتها السياسية الأخيرة تعكس رغبتها في تجنيب المنطقة حربا لا أحد يعرف مداها، غير أنها لن تكون عاجزة عن التعامل بخشونة، حال تعرض أمنها القومي للتهديد مباشرة. ويؤكد انعقاد اللقاء الخماسي في هذا التوقيت أن هناك قوى إقليمية ودولية رافضة للتحالف بين أردوغان والسراج وما يمكن أن ينطوي عليه من أوجه خلل في بعض التوازنات الاستراتيجية في المنطقة، وتعظيم التعاون بين الدول الفاعلة في منتدى غاز شرق المتوسط. وضمت الاجتماعات التأسيسية للمنتدى، الذي انطلق رسميا في يوليو الماضي، مصر وقبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا وفلسطين والأردن، بحضور وزير الطاقة الأميركي كـ“ضيف شرف مميز”، بحسب وصف بيان المنتدى، ومدير عام الطاقة في الاتحاد الأوروبي، وتمثيل رمزي لكل من فرنسا والبنك الدولي. وعلمت “العرب” أن فرنسا تدرس الانضمام إلى المنتدى، بعد مناوشات مع الجزائر في ملف تصدير الغاز مؤخرا، ما يحفزها على البحث عن دور مؤثر في غاز شرق المتوسط، وربما تمثل مشاركتها في اجتماع القاهرة رسالة في هذا الاتجاه تتجاوز حدود الأزمة في ليبيا. وتتحسب مصر، وعدد من شركائها العرب والأوروبيين، من تصاعد التهديدات التركية في شرق المتوسط وليبيا معا، وتسعى لتوحيد الجهود للتصدي لطموحات أردوغان التي تبدو بلا سقف محدد، والبحث عن تحالف واسع يواجهه على جبهات متباينة. وأصدرت القمة السابعة لرؤساء دول مصر وقبرص واليونان بالقاهرة الإعلان المشترك حول آلية التعاون الثلاثي في أكتوبر الماضي، وجددت دعم حكومة قبرص للتوصل إلى حل شامل وعادل للقضية القبرصية، على أساس قرارات مجلس الأمن ذات الصلة والقانون الدولي. وطالبت تركيا بإنهاء أعمالها الاستفزازية، والمساهمة بشكل بناء في استئناف المفاوضات التي تهدف إلى تحقيق نتائج ملموسة على مسار التسوية الشاملة والمستدامة للقضية القبرصية. ولم تفلح هذه الخطوات في ردع أردوغان، وتمادى في ممارساته العدوانية، حتى فاجأ دول منتدى شرق المتوسط بتوقيع مذكرتي التفاهم مع السراج، وأتبعها بخطوات داخلية تضفي عليهما رداء قانونيا، يوحي بأن تحركاته حقيقية وليست مناورة للحصول على مكاسب عاجلة. وتعاملت بعض القوى الإقليمية مع ذلك على أنه نوع من الابتزاز التركي الذي درج أردوغان على توظيفه مع خصومه، وتبين أنه جاد في أقواله، ما فرض إجراء مجموعة من الاتصالات مع الجهات المعنية لم تتمخض حتى الآن عن تطور لخطة المجابهة المطلوبة. وتجد أنقرة فرصة في سخونة الأوضاع على جبهة أميركا – إيران، بما يمنحها مساحة سريعة للحركة، فواشنطن منشغلة بهذه المواجهة عن غيرها، ما يقلل من فرص انخراطها مباشرة في التفاعلات الجارية في شرق المتوسط أو الأزمة الليبية. وقال إبراهيم زهران، عضو الجمعية العربية للبترول والتعدين، لـ“العرب”، إن الدول الخارجة عن إطار الصراع الجغرافي في منطقة شرق المتوسط، منها روسيا والصين وإيران، لا ترضخ لتعليمات الولايات المتحدة، لكن صراعها مع واشنطن يلهب أسعار الطاقة. وقفزت أسعار النفط في الأسواق الدولية 4 بالمئة بعد إعلان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) مقتل قاسم سليماني، المصنف على قائمة الإرهاب الأميركية، إثر ضربة جوية على سيارتين كانتا تقلانه وآخرين بالقرب من مطار بغداد يوم الجمعة. ولفت مراقبون إلى أن التطورات السياسية والأمنية والاقتصادية في المنطقة، تفرض على وزراء خارجية الدول الخمس الذين سيجتمعون في القاهرة الأربعاء، التعامل مع توجهات أردوغان بجدية أكبر، قبل أن يتمترس في ليبيا ويغير آليات التعامل مع ثروتها النفطية والغازية، ولكل من إيطاليا وفرنسا حصة فيها. ويفرض هذا المحدد على روما وباريس التخلي عن حذرهما والتعاون والتنسيق مع مصر وقبرص واليونان، خاصة أن مذكرة التفاهم البحري بين أردوغان والسراج سوف تؤدي، حال تطبيقها عمليا، إلى تغيير كبير في موازين الجغرافيا في شرق وجنوب البحر المتوسط.
مشاركة :