كشفت وزارة الصناعة التونسية أمس، عن تفاصيل برنامج التمويل الجماعي (كراود فندينغ)، الذي يعتبر من أبرز الأدوات الابتكارية الحديثة، التي تساعد على تشجيع رواد الأعمال على إطلاق مشاريعهم. وبعد ماراثون من النقاشات امتدت إلى نحو ثلاث سنوات، صادقت حكومة تصريف الأعمال الجمعة الماضي، على مشروع قانون التمويل الجماعي (التشاركي)، في انتظار مصادقة البرلمان عليه قبل نهاية الشهر الحالي ليدخل حيز التنفيذ. والتمويل الجماعي هو نظام تعاون بسيط للغاية يسمح لأي صاحب فكرة مشروع بجمع مبلغ من المال من عدة أفراد لدعم المبادرة في مقابل مشاركتهم في المشروع وغالبا ما يتلقى الناس الذين يدعمون مثل هذه المشاريع مكافآت كأن يحصلوا على نموذج من المنتج قبل طرحه في الأسواق أو الخدمات بسعر أقل ممّا هو متاح في السوق. ولذلك فإن لدى المسؤولين التونسيين قناعة بقدرة الشباب على اقتحام هذا المجال الواعد. ويرون أنه من الممكن خلال سنوات حصول البلاد على اقتصاد رقمي ينتج ثروة عبر دعمهم بمناخ أعمال يحفزهم على النشاط المستدام. وقال وزير الصناعة سليم الفرياني في ندوة صحافية حضرتها “العرب” بمقر وكالة النهوض بالصناعة والتجديد بالعاصمة، إن “مشروع قانون التمويل التشاركي (الجماعي) يأتي في إطار مواصلة الإصلاحات الحكومية الكبرى في مجال توفير آليات وأدوات تمويل جديدة قادرة على دفع ودعم الاستثمار بالانسجام مع المعايير الدولية”. وأوضح أن إدخال هذه الآلية للسوق التونسية سيتم وفق قوانين وضوابط في سياق حرص الحكومة على اعتماد الابتكار المالي وعدم اعتماد أصحاب المشاريع على التمويل التقليدي من القطاع المصرفي. وتظهر البيانات الرسمية، أن البنوك المحلية تمول نحو 95 في المئة من المشاريع في تونس تشمل كافة القطاعات تقريبا. ويتفق اقتصاديون على أن رواد الأعمال يواجهون صعوبات تمويلية كثيرة في سبيل دخولهم السوق، رغم الحوافز المتنوعة التي وفرتها الحكومة لتشجيعهم على إطلاق مشاريعهم الصغيرة والمتوسطة والناشئة. ولكن الفرياني أكد أن التمويل الجماعي سيساعد على دعم محرك الاستثمار بشكل أكبر إلى جانب زيادة الصادرات وتوفير فرص عمل للشباب. وأشار إلى أن مشروع قانون التمويل الجماعي، الذي يتضمن ستة فصول تحوي 57 بندا تشرح بالتفصيل كيفية التعامل بهذا التمويل، يشمل نوعين من الآليات، لكنه لم يذكر بالتحديد متى سيتم إطلاق المنصة الرقمية المخصصة لذلك. ويشمل الصنف الأول، التمويل التشاركي عبر الاستثمار في أوراق مالية (أكويتي كراود فندينغ) وهو مرحلة لتمويل رأس مال المؤسسات التونسية الناشئة والمشاريع المتجددة التي تفتقر إلى الموارد المالية نظرا لطبيعتها الخطرة. أما النوع الثاني، فهو التمويل التشاركي عبر إسناد قروض وهي موارد مالية جديدة تضاف إلى المنظومة الحالية من بنوك تجارية وبنوك أعمال وغيرها. وأكد الفرياني أن هناك نوعا ثالثا من الآليات تم إسقاطها من مشروع القانون ويتعلق بالحصول على التمويلات الجماعية من بوابة الهبات. وحتى تستطيع الحكومة إنجاح رهانها على هذا النوع من التمويلات، قامت بمشاورات مضنية مع عدة جهات منذ 2017 وقد تم تكليف وكالة النهوض بالصناعة والتجديد للقيام بهذه المهمة. وإلى جانب البنك المركزي، ساهمت وزارات المالية وتكنولوجيا الاتصال والتنمية والاستثمار والتعاون الدولي، فضلا عن البورصة في بلورة هذا المشروع. كما كانت هيئة مراقبة التمويل الصغير والهيئة العامة للتأمين والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (يوتيكا) وكونفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية (كوناكت)، أطرافا مهمة لوضع أسس البرنامج. خبراء في الاقتصاد يرون أن رواد الأعمال يواجهون صعوبات تمويلية كثيرة في سبيل دخولهم السوق، رغم الحوافز المتنوعة التي وفرتها الحكومة لتشجيعهم على إطلاق مشاريعهم الصغيرة والمتوسطة والناشئة ومن الواضح أن هناك مساعيَ حثيثة لإخراج منظومة العمل من عباءتها القديمة القائمة على التعويل على القطاع العام، حيث يرى خبراء أنها كانت من بين الأسباب التي أدت لزيادة معدلات البطالة. ودفعت المطبّات الكثيرة، التي تعرقل إطلاق المشاريع، الحكومات المتعاقبة منذ 2011 للبحث عن حلول لتحفيز الاستثمار في القطاع الخاص بعيدا عن البيروقراطية والفساد، بهدف تعزيز مساهمته في إنعاش النمو. ويتوقع وزير الصناعة أن يصل حجم سوق التمويل الجماعي خلال العام الأول لإطلاق المشروع إلى نحو 50 مليون دينار (17.8 مليون دولار) على أن يتضاعف خمس مرات بحلول 2025. وبفضل الخطوات، التي استطاعت تونس تحقيقها في قطاع الاستثمار، رغم الرؤية الضبابية التي تكتنف الوضع السياسي، فقد تقدمت البلاد بنحو 44 مركزا على مؤشر إطلاق الشركات لتصبح في المرتبة 78 على مؤشر سهولة ممارسة الأعمال لعام 2020. ويقول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن التمويل الجماعي يقلل الحواجز التي تحد من الوصول إلى التمويل ويطابق العرض والطلب على التمويل، حيث يسمح للأفراد بتقديم مساهمات واستثمارات مباشرة إلى المشاريع التي هم متحمسون لها. وتشير التقديرات إلى حجم السوق العالمية للتمويل الجماعي في مئة دولة تبلغ حوالي نصف تريليون دولار منذ ظهوره لأول مرة في الولايات المتحدة خلال الأزمة المالية في 2008. وتتصدر السوق الصينية الآن هذا النوع من التمويلات بالنظر إلى المشاريع الناشئة التي يتم إطلاقها، وتأتي بعدها الولايات المتحدة ثم بريطانيا.
مشاركة :