أطلت قضية العقوبات الاقتصادية على العراق برأسها من جديد بعد تلويح الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بفرض عقوبات على بغداد، بعد مطالبة البرلمان العراقي القوات الأميركية بمغادرة البلاد، وانعكس التهديد الذي قال فيه ترمب: «سنفرض عليهم عقوبات لم يروا مثلها من قبل مطلقاً. ستكون عقوبات إيران بجوارها شيئاً صغيراً»، على شكل مخاوف جدية بين صفوف المواطنين العاديين من تعرض البلاد إلى عقوبات قاسية شبيهة بتلك التي فرضت على العراق عام 1990، بعد عملية احتلال نظام الرئيس الراحل صدام حسين لدولة الكويت. كما انعكست على شكل زيادة ملحوظة في سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الدينار العراقي في الأسواق المحلية، حيث ارتفع ليصل إلى نحو 1230 دينار عراقي مقابل الدولار الواحد في أسواق بغداد، بعد أن كان مستقراً عند سعر صرف لا يتجاوز 1200 دينار. وهناك أنباء عن ارتفاعها بنحو 3.2 في المائة في أسواق البصرة ومحافظات أخرى. وما زالت ذاكرة العراقيين تختزن ذكريات مؤلمة وقاسية عن الحصار الدولي الذي فرض على البلاد في تسعينات العقد الماضي، الذي انهار فيه سعر الدينار إلى أكثر من 3 آلاف دينار عراقي مقابل الدولار الواحد. من جانبه، عزا مدير عام دائرة العمليات المالية وإدارة الدين في البنك المركزي محمود داغر الزيادة في سعر صرف الدولار إلى «توقعات وتفسيرات وتبريرات ناتجة عن طبيعة التصريحات السياسية وموقف مجلس النواب الأخير». وأكد في تصريحات أن «البنك قادر على كبح أي ارتفاع بأسعار صرف الدولار في الأسواق المحلية، وما يحدث الآن من ارتفاع طفيف غير مؤثر». وأشار داغر إلى أن «البنك المركزي يمتلك أرصدة تستطيع تلبية أي كمية مطلوبة من الدولار وحتى زيادة ضخ العملة، إذا اقتضى الأمر ذلك». مشاعر القلق والخوف من عقوبات محتملة انتقلت إلى جماعات الحراك الاحتجاجي التي سارعت إلى إطلاق هاشتاغ «نريد وطن... منريد (لا نريد) حصار»، ودعت محافظات شمال وغرب البلاد التي لم تشترك حتى الآن في الاحتجاجات إلى الخروج في مظاهرات حاشدة الجمعة المقبل. ناشطون ومدونون شنوا هجوماً لاذعاً على تحالف «سائرون» المدعوم من مقتدى الصدر، واتهموه بعدم الشعور بالمسؤولية حيال قضية العقوبات، على خلفية تصريحات أدلى بها النائب عن هذا التحالف بدر الزيادي ذكر فيها أن «توحد الجهود والاعتماد على القدرات الذاتية ستجعلنا قادرين على تجاوز أي عقوبات قد تحاول أميركا فرضها على العراق مستقبلاً». وقال الزيادي إن «العراق والشعب العراقي سبق أن حاصرته أميركا، وهو أمر ليس غريباً علينا، والمطلوب هو الاعتماد على أنفسنا وعدم ترك أي فراغ يستغله أعداء العراق». مصدر مقرب من تحالف «سائرون» أبلغ «الشرق الأوسط» أنه «يشعر بحرج شديد من تصريحات النائب ويعتبرها غير مسؤولة وشخصية ولا تمثل رأي التحالف». ولم يستبعد المصدر أن يصدر التحالف في وقت لاحق بياناً يرفض فيه تصريحات النائب الزيادي. الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم ترى أن «الاقتصاد العراقي مكشوف تماماً وأي نوع من العقوبات بمثابة ضربة قاضية له وسيدفع المواطن العادي وليس السياسي ثمنه الفادح». وتقول سميسم في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «الاقتصاد يتأثر بشدة بعامل التوقعات، لذلك نرى أن سعر صرف الدولار ارتفع، رغم أن البنك المركزي قد طرح الكمية نفسها من الدولار عبر نافذة بيع العملة. التوقعات بكل تأكيد ناتجة عن قرارات مجلس النواب الأخيرة وتصريحات الرئيس الأميركي». وتشير سميسم إلى أن «الخشية من العقوبات معناها انقطاع الإمداد الأساسي للدولار في الأسواق العراقية، ونحن نعلم أن العراق ليست لديه سوى النفط ليبيعه وارتفاع سعر الدولار يهدد بموجة تضخم ضاربة للعملة وانهيار للاقتصاد ربما، كما أنه يهدد جميع معاملات العراق الاقتصادية الداخلية والخارجية». ورأت سميسم أن «من حق الولايات المتحدة الأميركية بتعويض مالي عن قواعدها التي بنتها في العراق والتلويح بالعقوبات ضد العراق في حال عدم الإيفاء بالتزاماته حيالها». وعلق عضو الحزب «الديمقراطي» الكردستاني ماجد شنكالي، أمس، على قرار مجلس النواب بشأن سحب القوات الأجنبية من البلاد واحتمال تعرضه إلى عقوبات اقتصادية عبر «تويتر» قائلاً: «لا نريد الموت بكرامة، بل نريد العيش بكرامة»، وأضاف: «لن نقبل لبعض بائعي الشعارات وأصحاب المزايدات أن يعيدونا مرة أخرى إلى زمن الحصار والمجاعة من أجل إيران وغيرها، إذا كنتم صادقين أعيدوا ما سرقتموه من أموال الشعب واقضوا على الفاسدين حينها أميركا وإيران ستخرج دون قرارات». وفي المواقف الدولية من العقوبات الاقتصادية التي لوح بها الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضد العراق، صدرت مواقف عن دول كثيرة، أمس، بالضد من العقوبات ضد العراق. ونقلت مواقع إخبارية عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية قنغ شوانغ، قوله إن «الصين تعارض الاستخدام الجائر للتهديد بالعقوبات»، وإن «بكين تحث الولايات المتحدة كذلك على عدم إساءة استغلال القوة». كذلك نفت الحكومة البريطانية أن تكون لديها خطط لفرض عقوبات على العراق. وعدّ وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس أن «التهديد بفرض عقوبات على العراق لا يجدي نفعاً».
مشاركة :