حرائق أستراليا وكوارث التغير المناخي

  • 1/8/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

صور الأسبوع الأخير من أستراليا كانت كابوسية: جدران من اللهب، وسماء حمراء كالدم، وسكان تجمعوا على الشواطئ فراراً من الجحيم، لقد كانت حرائق الغابات جد قوية، لدرجة أنها ولدت «أعاصير نارية» قوية، بما يكفي لقلب شاحنات ثقيلة. والواقع أن صيف أستراليا الناري ليس سوى الأحدث ضمن سلسلة من الأحداث المناخية الكارثية خلال العام الماضي، والتي شملت: فيضانات غير مسبوقة في الوسط الغربي الأميركي، وموجة حر في الهند ارتفعت خلالها درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية، وموجة حر أخرى جلبت درجات حرارة غير مسبوقة إلى جزء كبير من أوروبا. كل هذه الكوارث كانت مرتبطة بتغير المناخ، لاحظ أنني قلت «مرتبطة» بتغير المناخ وليس «نتيجة» له، وهذا فرق حيّر الكثيرين على مدى السنوات، ذلك أن أي حدث مناخي له عدة أسباب، وهذا أحد الأسباب التي جعلت التقارير الإخبارية تتحاشى الإشارة إلى الدور الممكن لتغير المناخ في الكوارث الطبيعية. غير أنه خلال السنوات الأخيرة، حاول علماء المناخ إنهاء هذا الارتباك، من خلال الانخراط في عملية «نسب الأحداث الشديدة»، التي تركز على الاحتمالات: فأنت لا تستطيع بالضرورة القول إن تغير المناخ تسبب في موجة حر معينة، ولكنك تستطيع التساؤل بشأن حجم الاختلاف الذي أحدثه الاحترار المناخي على احتمال حدوث موجة الحر تلك، والجواب في العادة هو الكثير: ذلك أن تغير المناخ يزيد من احتمالات أنواع الأحداث المناخية المتطرفة التي شاهدناها مؤخراً. ولئن كان ثم الكثير من العشوائية في النتائج المناخية، فإن تلك العشوائية تجعل تغير المناخ في الواقع أكثر ضرراً في مراحله الأولى مما يدركه معظم الناس، ففي مسارنا الحالي، من المحتمل أن يبتلع البحر فلوريدا برمتها في نهاية المطاف، ولكن قبل حدوث ذلك بوقت طويل، سيجعل ارتفاع مستويات البحر من ازدياد العواصف الكارثية أمراً شائعاً ومألوفاً، كما أن جزءاً كبيراً من الهند سيصبح غير قابل للعيش في نهاية المطاف، ولكن موجات الحر والجفاف القاتلة ستترك تأثيرها القاتل قبل بلوغ تلك المرحلة بوقت طويل. بعبارة أخرى، إذا كان الأمر سيستغرق أجيالاً حتى تحدث النتائج الكاملة لتغير المناخ، فإنه ستكون ثم الكثير من الكوارث المحلية المؤقتة في غضون ذلك، وستصبح نهاية العالم الوضعَ العادي الجديد، وهذا يحدث أمام أعيننا. السؤال الكبير: هو ما إن كان انتشار الكوارث المرتبطة بالمناخ سيكون كافياً في النهاية لحث المعارضة على التحرك؟ والواقع، أن ثمة بعض المؤشرات التي تبعث على الأمل والتفاؤل، ومن ذلك أن وسائل الإعلام الإخبارية أصبحت أكثر استعداداً للتحدث عن دور تغير المناخ في وقوع الكوارث، كما يبدو أن الجمهور أخذ يولي انتباهاً أكثر مع ازدياد القلق بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية. ولكن الخبر السيئ، هو أن تزايد الوعي بالمناخ يحدث بشكل رئيسي بين «الديمقراطيين»، وموقف القاعدة «الجمهورية» لم يتزحزح كثيراً، ثم إن تطرف السياسيين المحافظين المناوئين للبيئة ازداد شدة، في وقت أصبح فيه موقفهم متهافتاً فكرياً، ففي الماضي، كان اليمين يدّعي أن ثمة خلافاً علمياً جاداً بشأن حقيقة الاحترار المناخي وأسبابه، أما اليوم، فقد أصبح «الجمهوريون»، وإدارة ترامب بشكل خاص، معادين للعلم بشكل عام، وعلى كل حال، ألا يمثل العلماء جزءاً من الدولة العميقة؟ وعلاوةً على ذلك، فهذه ليست مشكلة أميركية فقط، فحتى في الوقت الذي تحترق فيه أستراليا، أعادت حكومتها الحالية التأكيد على التزامها تجاه الفحم، وهددت بتجريم مقاطعة الشركات المدمرة للبيئة، المثير للسخرية في الوضع الحالي، أن الموقف المعادي للبيئة يزداد تشدداً، تحديداً في الوقت الذي يفترض أن تكون فيه احتمالات تحرك حاسم أفضل من أي وقت مضى. ذلك أنه من جهة، لم تعد مخاطر تغير المناخ تنبؤات بشأن المستقبل: إذ بات بإمكاننا رؤية الأضرار الآن، وإنْ كان ذلك مجرد لمحة عن الفظاعات التي تنتظرنا في المستقبل، ومن جهة أخرى، بات يبدو أنه من السهل على نحو لافت تحقيق الخفض الجذري في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، على الأقل من وجهة نظر اقتصادية، وقد تم تحقيق الكثير من التقدم التكنولوجي في الطاقة البديلة، لدرجة أن إدارة ترامب تحاول على نحو يائس الآن، دعم الفحم ضد الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح. ولكن، هل ستلعب السياسة البيئية دوراً في حملة 2020 الانتخابية؟ معظم «الديمقراطيين» لا يميلون على ما يبدو إلى جعلها موضوعاً رئيسياً، وأنا أفهم لماذا: فتاريخياً، كان التهديد الذي تطرحه السياسة البيئية اليمينية تجريدياً وبعيداً، ومن الصعب رفعه كشعار في الحملة الانتخابية مقارنة مع، لنقل، المحاولات «الجمهورية» للإجهاز على قانون «أوباما-كير». ولكن موجة الكوارث المرتبطة بالمناخ قد تكون بصدد تغيير الحسابات السياسية الآن، والواقع أنني لست خبيراً في الحملات الانتخابية، إلا أنه يبدو لي أن الحملات قد تكتسب بعض الزخم من خلال إعلانات تُظهر الحرائق والفيضانات الأخيرة، وتشير إلى أن دونالد ترامب وأصدقاءه يفعلون ما في وسعهم لخلق هذه الكوارث، لأن الحقيقة هي أن سياسة ترامب البيئية هي أسوأ شيء يفعله لأميركا والعالم، والناخبون ينبغي أن يعرفوا ذلك.

مشاركة :