سارا هالزاك * تغيرت الصورة القاتمة لقطاع التجزئة التي استمرت لسنوات بفضل دخول شركات ناشئة في السنوات الأخيرة، اعتمدت على التقنيات الرقمية في تسويق السلع وجذب المستهلكين. وقد يجد البعض سبباً للتفاؤل، لكن هناك أيضاً سبب للشك في الضجة المحيطة بهذه العلامات التجارية، ليس فقط لأن نماذج أعمالها تبدو غير قابلة للاستمرار، ولكن أيضاً لأن العديد من عمليات بعضها تتشابك بشكل معقد مع الشركات التي تعيق تقدمها ظاهرياً على الأقل.هناك الكثير من الأمثلة على تشابكات العلاقة بين مختلف الأطراف في القطاع وتعقيداتها. ففي نوفمبر / تشرين الثاني الماضي أعلنت سلسلة محلات السوبر ماركت العملاقة «ألبرت سونز»، عن وقف أنشطة ماركة «بلايتد» لتوزيع مكونات الطبخة الجاهزة، بعد أن دفعت 200 مليون دولار في شرائها قبل عامين، وأن منتجات الشركة سوف توزع ضمن السلع التي تباع على رفوف السوبر ماركت. ولا يمكن أن يفهم من هذا الإعلان سوى أن هذا النوع من الأنشطة بدأ يفقد بريقه.وليست «ألبرت سونز» الشركة الوحيدة التي تعاملت مع بيع وتوزيع وجبات الطعام الجاهزة للطبخ. فقد بلغ عدد عملاء شركة «بلو أبرون» 386 ألف عميل خلال الربع الثالث من العام الحالي، هبوطاً من 646 ألف عميل خلال الربع الثالث من عام 2018، و856 ألف عميل عام 2017. وقد يعكس الانخفاض جزئياً تحولاً مقصوداً للتركيز على الشريحة الفضلى من عملائها، لكنه أيضاً مؤشر على أن سوق مجموعات الوجبات عبر الإنترنت ليس بهذا الحجم.وفي مثال آخر، اعتبرت شركة «دولار شيف كلوب» لخدمات أدوات الحلاقة التشاركية بسعر منخفض، نموذجاً خلاقاً لتغيير واقع القطاع بعد أن عرضت تجربتها على يوتيوب عام 2012، وحاز الفيديو على إعجاب الملايين. ثم اشترتها شركة «يونيلفر» بسعر مليار دولار عام 2016، وكانت الصفقة حافزاً لزيادة حصتها في السوق. إلا أن أحدث تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» أكد أن الشركة حتى الآن لم تحقق الربحية، وأن «يونيلفر» خلصت إلى أن بيع المواد الغذائية يبقى هو النشاط الأساسي، وأن الاشتراكات عبر الإنترنت لا تحقق جدواها المالية.ولا تزال هناك نماذج أخرى عجيبة بين الشركات التي ولدت بعد عام 2010، تسعى إلى تحقيق النمو بطرق لا تبدو مختلفة تماماً عن قواعد اللعب التي اعتمدتها سابقاتها. ولا يزال المتسوقون يجدون سلعاً من الدرجة الثالثة، منها فراشي الأسنان الرديئة، وورق اللعب، وألعاب الحيوانات الأليفة، على رفوف متاجر شركة «تارجيت» العريقة. وفي نفس الوقت تعرض ماركات الملابس الرجالية الفخمة من طرز مثل «بونوبس» و«ميزين أند مين» وغيرها، في محلات السوبر ماركت مثلها مثل منتجات التجميل من «جلوسيه». وصار لدى العديد من شركات التجارة الإلكترونية الأكثر شهرة، مستودعات ومتاجر على الأرض تنافس بها.والنتيجة هي أن العلامة التجارية الرقمية الأصلية لم يعد لها معنى. وخلال عام 2019 لم يعد ممكناً الفصل بين شركة رقمية المنشأ، وأخرى تقليدية بسبب اختلاط نماذج البيع والتسويق لدى الفريقين.لكن هذا لا يعني تجاهل هذا الكم الهائل من شركات التجزئة الرقمية التي جمعت مليارات الدولارات، وزادت حصصها من السوق على حساب حاضنات القطاع من الشركات التقليدية، وطرحت منتجات جذابة في إطار عمليات تنافس محموم، وهو ما أجبر مالكي العقارات على إعادة النظر في خطط التأجير وخطط إنشاء المحلات الضخمة، في ظل موجة من التحديث غيرت وجه القطاع على مستوى العالم.وفي الخطط المستقبلية لشركات البيع الرقمي هناك 850 متجراً فعلياً سوف تفتتح خلال السنوات الخمس المقبلة، حسب آخر تقارير شركة «جون لانغ لاسال». وهذا يعني أن المجموعة سوف تفتتح متاجر تعادل ما لدى شركة «ماسيز» من متاجر، وأن معدلات نموها لن تكون بأي حال من الأحوال قريبة من نظيراتها في الشركات التقليدية التي شهدت عام 2019 إغلاق 9302 متجر.وإذا نجحت بعض شركات تجزئة الإنترنت في زيادة عدد عملائها وتحقيق الربحية بسهولة، فإن عدداً كبيراً منها سوف يدرج في البورصات، أو يعرض للبيع لشركات أكثر قوة. ولا يوجد في عمليات الطرح الأولي في الاكتتاب العام ما يبشر بالخير سوى بعض النماذج المحدودة جداً، كما أن صفقة بيع شركة «إيدج ويل» بمليار ونصف المليار لشركة «هاري» تبقى استثناء قد لا يتكرر. كل هذا يؤدي إلى استنتاج بات حقيقة تفرض نفسها في القطاع، وهو أن قدرة الشركات الرقمية في قطاع التجزئة على إحداث التغيير مبالغ فيها جداً، وعلى المستثمرين والمغامرين في القطاع أخذ العبرة. * بلومبيرج
مشاركة :