شو لي رين * وضعت الصين تطوير صناعة الرقائق على قائمة الأهداف الوطنية العليا. إلا أن ضغوط كُلفة المبادرة التي تصل إلى 1.7 تريليون يوان (243 مليار دولار)، تزيد من احتقان شرايين حكومات الأقاليم المثقلة بالديون.ولم تتوان بكين خلال السنوات ال10 الماضية عن تسخير قواها المالية في السعي لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية. فبعد انهيار «ليمان براذرز» في عام 2008، أنفقت الحكومة 4 تريليونات يوان على بناء الطرق والسكك الحديدية؛ لدعم الاقتصاد، ما أدى إلى زيادة معدلات النمو. كما ضخت الحكومة بين عامي 2015 و2018 ما يقرب من 3.5 تريليون يوان في مشاريع سكنية؛ لمساعدة الفقراء.وحمل الإنفاق المالي تطلعات أعلى مؤخراً مع بروز بطلتيها «هواوي» و«زد تي إي»؛ حيث فُرضت عليهما عقوبات أمريكية. وأصبحت الصين أكثر تصميماً على تطوير تقنياتها الخاصة بشبكات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي وشرائح الرقاقات. وأقيم أكثر من 50 مشروعاً كبيراً لأشباه الموصلات في جميع أنحاء البلاد، بإجمالي استثمارات بلغ 1.7 تريليون يوان، وفقاً لتقديرات شركة «كيكسين». ويتم تمويل معظم هذه المشروعات التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، من قبل الحكومة التي تملك على سبيل المثال حصة بنسبة 74% في شركة «يانجتز ميموري تيك». وهذه الشركة تدار على يد «تسنجوا يونيجروب» ذراع الأعمال والمشاريع، التابع لجامعة تسينجوا العريقة التي تخرج فيها الرئيس شي بينج.وتصنف ذواكر «هاند» التي تنتجها الشركة من التقنيات المتطورة عالمياً إلا أنها متخلفة نصف جيل عن معدلات تطوير الرقائق العالمية الفائقة. كما ينظر إلى فرع شركة «هواوي» «هاي سيليكون» على أنها بيت تصميم عالمي رائد لتطبيقات الهواتف الذكية. إلا أن هذه الأمثلة الواعدة قليلة للغاية ومتباعدة، وتعكس في الأغلب جهداً كبيراً مقابل القليل جداً من الإنجازات. يقول خبراء القطاع: إن تكنولوجيا تصنيع الرقاقات في الصين متخلفة ما بين 3 إلى 5 سنوات عن رقائق شركة «تايوان سيمي كونداكتورز» الشركة الرائدة عالمياً في عدد عقود التوريد، وأن الصين تصنف ثانياً على صعيد التجميع والاختبار.وفي الوقت نفسه، بدأت علامات الوهن المالي في الظهور. فقد كشفت دراسة أجرتها شركة «كيكسين» أن مجمع الرقائق في شرق الصين الذي بلغت كلفته 4.5 مليار يوان، قد توقف عن العمل بعد فشل حكومة الولاية الفقيرة في جمع المزيد من الأموال. كما تم تجميد حقوق استخدام الأراضي في مجمع صناعي آخر في مدينة ووهان الوسطى؛ بسبب الصعوبات المالية على الرغم من أن المدينة وضعت نفسها سابقاً في مواجهة تنافسية مع مجمع فونيكس في أريزونا.ويدرك خبراء التقنية أن قطاع صناعة الرقائق يستنفد الكثير من الأموال. فقد أنفقت شركة «سامسونج الكترنيكس» 25 مليار دولار سنوياً على تطوير صناعتها على مدى خمس سنوات. ويقدر بنك «كريديه سويس» حجم الاستثمارات التي ينبغي على الصين ضخها في مجمع صناعة الرقائق حتى يرتقي إلى مستوى منتجات شركة «ي إس إم سي» الرائدة عالمياً، ما بين 60 و80 مليار دولار.وتتفاقم مشكلة الصناعة الصينية؛ نتيجة تسابق حكام الأقاليم وتنافسهم على احتواء هذه المبادرات؛ لأنهم يدركون أن الرئيس بينج يحبها. وينتج عن هذا التنافس بعثرة في الاستثمارات، وسوء تموضع المشاريع التي تقام أحياناً في مدن مغمورة مثل شيامن في جنوب البلاد.ومعلوم أن الحكومات المحلية في الصين فقيرة جداً، وأن بلديات بعضها تلجأ لأساليب قذرة لجمع الأموال التي تحولها إلى وزارة المالية في الحكومة المركزية، التي تقرر بدورها خطط إنفاقها أو استثمارها. ونتيجة لهذه السياسة تعاني حتى المدن الكبرى مثل العاصمة بكين، عجزاً مالياً. ومع تباطؤ الاقتصاد وتراجع العائدات الضريبية يزداد فقر حكومات الأقاليم حتى بلغ حجم الفجوة المالية هذا العام طبقاً لتقديرات «موديز» 7.6 تريليون يوان.قد تبدو رغبة الصين في الاعتماد على الذات أمراً مبرراً؛ لكن العجز المالي في قطاع الرقائق بلغ العام الماضي 228 مليار دولار، أي ضعف ما كان عليه قبل عشر سنوات. وقد أثار الحصار الأمريكي للتقنيات الصينية ردود فعل وطنية غاضبة في الصين. وحتى الآن يعد قطاع الرقاقات الصيني «قلباً بحاجة إلى دماغ يضبط نبضه». * بلومبيرج
مشاركة :