لحن الموسيقي السوري طاهر مامللي من أشعار إبراهيم طوقان ومحمود درويش ونزيه أبوعفش وغنت له شخصيات فنية عربية شهيرة كميادة الحناوي وأصالة نصري وكاظم الساهر ولطفي بوشناق ونورا رحال وديمة أورشو وحمام خيري وآخرين. وهو يقدّم في موسيقاه عوالم تجمع حساسية الشرق ورهافته في التذوّق الموسيقي مع علوم الغرب وما استحدثه من تقنيات شكلية متطورة. كما لحن الفنان السوري شارات موسيقية (تتر) لمجموعة من المسلسلات السورية والعربية، باتت في شهرة الأغاني التراثية، من بينها “ضيعة ضايعة”، “الخربة”، “أيها المارون” في مسلسل “صلاح الدين الأيوبي”، “التغريبة الفلسطينية” و“الزير سالم”، وأخيرا شارة مسلسل “الواق واق” التي أداها الفنان العراقي كاظم الساهر. التقت “العرب” طاهر مامللي فتحدث عن تعامله مع التأليف الموسيقي والغنائي كمشروع فني متكامل وليس نوعا من النشاط الفني التلحيني البسيط، قائلا “أتعامل مع موضوع التأليف الموسيقي كمشروع فني متكامل، وقد لجأت إلى الدراما عندما وجدت أن منابر تحقيق هذا المشروع محدودة في مجال الغناء التقليدي، فكانت الدراما هي المنبر المناسب. إني أحاول في موسيقاي تقديم ما هو مختلف وما يحمل رسالة إنسانية عميقة”. وعن بدايته في تلحين شارات المسلسلات، يوضح “القصة بدأت عندما شاهدت فيلم الحائط، للمخرج آلن باركر، فسافرت بعدها إلى لندن لكي أدرس الإخراج السينمائي، لكن أمام التكاليف الهائلة للدراسة وعدم قدرتي على تأمينها قرّرت دراسة الموسيقى، وفعلت”. عندما أنهى مامللي دراسته بالمهجر وعاد إلى وطنه، سوريا، لم يجد فيها جهات ترعى الإنتاج الموسيقي الغنائي، فتوجه نحو الدراما التي رأى فيها عوالم موسيقية جديدة، قائلا “يضيف النص التلفزيوني الدرامي والمخرج والمنتج شيئا مُجددا على الإبداع الموسيقي. من كل هذه المعادلة الصعبة ومن خلال تطور الواقع الدرامي السوري الذي صار في مرتبة جيدة عربيا استطعت أن أتابع المشروع الفني الذي أطمح إليه”. ومن خلال أصوات رائعة لكنها ليست نجوما بالمعنى المُتعارف عليه، حاول مامللي أن يصنع هوية خاصة به وهي البصمة التي ميزته عن الآخرين، وذلك عبر رؤيته الخاصة للموسيقى التصويرية كشكل إبداعي يقدّم من خلاله أسلوب عمل يعتمد على المزج بين الشرقي والغربي بدراية ودقة، وعن ذلك يقول “موضوع الموسيقى التصويرية شكل فني هام وجدلي. وليس صحيحا أن تستخدم الموسيقى في العمل كعنصر تزييني. فالموسيقى التصويرية هي أحد العناصر الأساسية في أي منتج درامي تلفزيوني. وهناك مسألة هامة تتجلى في القدرة على التفاهم مع المخرج الذي هو القائد المهني النهائي للعمل”. ويضيف “المسلسل يحتوي على مجموعة من المشاريع الفنية المتكاملة مع بعضها البعض. وفي حال وجود اتفاق مع المخرج يصبح العمل أعمق وأفضل، بحيث نصل إلى مرحلة البحث في نوع الآلات أو أسلوب الموسيقى في المشهد. ويمكن القيام في هذه الحالة بمغامرات فنية مدروسة. منها مثلا إيجاد موسيقى حزينة لمشهد كوميدي، هنا سيكون الأمر إما خطأ فنيا يحاسب عليه المؤلف وإما يكون متعمدا وبالاتفاق مع المخرج وعن دراية فنية، بحيث يخدم فكرة العمل والحالة الدرامية”. ومثاله على ذلك ما قدّمه في مسلسل “ضيعة ضايعة”، ففي المشاهد التي جمعت بين باسم ياخور والراحل نضال سيجري والتي هي في الأساس كوميدية، اختار مامللي بالاتفاق مع المخرج وضع موسيقى إنسانية، مؤكدا “في كل العمل لم تكن هناك موسيقى كوميدية واضحة بل كانت حزينة بما فيها الشارة، ومع ذلك نجح العمل والشارة”. هنا يصل طاهر مامللي إلى فكرة أن الموسيقى التصويرية تخدم الحالة الدرامية بالتوازي مع بقية عناصر العمل. مُعتبرا أن الموسيقى المجردة مرفوضة دراميا، فالمُحاكاة تكون في كل المشهد الذي يتكوّن بدوره من مجموعة من العناصر؛ ضوء، ديكور، ملابس، ماكياج وممثل. وبمقدار تحقّق حالة عالية من الإبداع في كل هذه العناصر مجتمعة ستكون حال الموسيقى متكاملة معها. ولا ينكر مامللي أن لكل عمل خصوصيته وأجواءه، ففي مسلسل “الثريا”، الذي كان عملا وطنيا اتفق مع المخرج هيثم حقي أن يصنع موسيقى ملحمية تناسب حال المسلسل، وهو ما تحقّق بالفعل، مُعتبرا أن “الحوارات الكثيرة التي جمعته بمخرج العمل ساعدته كثيرا في تحقيق هذه الغاية”. تعامل طاهر مامللي مع العديد من القامات الشعرية والعربية السامقة، وهو الذي لحن لإبراهيم طوقان ومحمود درويش ونزيه أبوعفش وآخرين، وصارت بعض الأشعار التي لحنها مُتداولة عند العامة قبل النخبة. وعن ذلك يقول “عندما لحنت قصيدة محمود درويش الشهيرة أيها المارون، كتب إليّ أنه كان سعيدا كما لم يسبق له. لأنه شعر أنها ترجمت إحساسه. وكنت فخورا بهذه النتيجة. أرى أن الفن مغامرة ولكنها محسوبة. عندما وضعت شارة مسلسل ضيعة ضايعة، كونتها من تركيبة شرقية وغربية معا، كنت قبلها قد كتبت كلمتين بسيطتين: يا ناس خلوني بحالي. وقد لحنتها بنمط شرقي طربي أداها بحرفية عالية حمام خيري ومعه غنت ديما أورشو بأسلوب غربي (do it)، صناع العمل خافوا من التجربة واعتبروها مغامرة، لكنني مع المخرج الليث حجو راهنّا على النجاح، وعندما نجح العمل لمسنا مدى تعلق الناس بها”. يرى طاهر مامللي أن الجمال ينتج جمالا، أما الزمن الحالي فلا يقدّم إلّا القبح، الأمر الذي يهدّد بفقدان حالة الإبداع الجميل في المستقبل، ويقول “الجمال في الإبداع ينطلق من البحث عن الجمال ومعايشته، والسؤال هنا: هل يتوفر للمبدع اليوم الجمال المطلوب كي يعيشه ثم يصوغه ألحانا جديدة؟ الجواب، لا. القبح هو الطاغي الآن”. ويضيف “غادرت مزاجنا فرق كالبيتلز، وحلت فرق جديدة تعتمد السرعة والأماكن التي أوجدت موتزارت وبتهوفن وغيرهما لم تعد تنتج أمثالهم، حتى عربيا، فأسماء كالسنباطي والرحابنة لم نعد قادرين على إنتاجهم، والسبب بكل بساطة هو نقص خزان الجمال الذي يعيشه الناس حاليا”.
مشاركة :