نشرت مجلة علم الأدوية العصبية والنفسية الأوروبية دراسة جديدة رائدة أجراها باحثون سويديون، وهي الدراسة التي اعتمدت على جمع وتحليل أدلة من عشرات الأبحاث السابقة في مجال التغذية والصحة العقلية. الدراسة أجريت في جامعة غوتنبرغ السويدية تحت إشراف البروفيسور سوزان ديكسون التي قالت في سياق تعليقها على النتائج: «لاحظنا على سبيل المثال وجود أدلة متزايدة تؤكد وجود صلة بين سوء التغذية من ناحية وتفاقم الاضطرابات المزاجية من ناحية ثانية، بما في ذلك اضطرابات القلق والاكتئاب. ومع ذلك، فإن العديد من المعتقدات الشائعة حول تأثيرات بعض الأطعمة ما زالت لا تدعمها أدلة علمية مؤكدة».وفي ضوء حقيقة أن النظام الغذائي الشائع في الدول المطلة على البحر المتوسط ويشتهر بلقب «الحِمية المتوسطية» قد حظي بقدر كبير من الاهتمام خلال السنوات القليلة الماضية، فإن الدراسة وجدت أن هناك أدلة قوية نسبيا تشير إلى أن ذلك النظام الغذائي يمكن أن يعزز الصحة العقلية ويوفر لها وقاية ضد اضطرابات عدة من بينها الاكتئاب.جدير بالذكر أن مصطلح «الحمية المتوسطية» يشير إلى مجموعة الأنماط الغذائية التقليدية الشائعة في اليونان وجنوب إيطاليا وإسبانيا والمغرب وبعض المناطق المتوسطية الأخرى. وتتألف المكونات الرئيسية لهذا النظام الغذائي من نسبة عالية من زيت الزيتون والبقوليات، والحبوب الكاملة غير المكررة، والفواكه، والخضراوات، ونسبة عالية من الأسماك ومنتجات الألبان (كالجبن والزبادي)، إلى جانب كمية منخفضة نسبياً من اللحوم ومنتجاتها. ورصدت الدراسة أيضاً وجود أدلة قوية تشير إلى أن إجراء بعض التغييرات الغذائية يمكن أن يساعد الأشخاص الذين يعانون من حالات أو مشاكل ذهنية معينة. فعلى سبيل المثال، لوحظ أن الأطفال المصابون بالصرع المقاوم للعقاقير ينخفض لديهم عدد نوبات الصرع عندما يتبعون الحمية الغذائية الكيتونية (ketogenic) التي تتميز بارتفاع الدهون وقلة الكربوهيدرات. ومن بين الاستنتاجات التحليلية الأخرى أن الأشخاص الذين يعانون من نقص فيتامينB-12 يصابون أيضاً بمشاكل في الذاكرة، فضلاً عن أن ذلك النقص يرتبط أيضاً باضطرابات عقلية ونفسية من بينها الذهان والهوس. ولوحظ أن أولئك الأشخاص يتحسنون عقلياً عند تناول مكملات فيتامين B-12. ومع ذلك، كما يشير المؤلفون، ليس واضحاً على الإطلاق ما إذا كانت مكملات فيتامين B-12 يمكن أن تحدث تحسناً عقلياً كبيراً لدى جميع الأشخاص الذين لم يتم تشخيصهم سريريا على أنهم لديهم نقص في ذلك الفيتامين تحديداً.لكن بشكل عام، لاحظ الباحثون أن فيتامين D يفيد بشكل ملموس في تحسين وظائف الذاكرة ومستوى الانتباه والقدرة على التركيز لدى كبار السن، كما أنه يسهم في درء خطر الاكتئاب.وبالمثل، رصدت الدراسة وجود أدلة متفاوتة تشير إلى وجود تأثير للنظام الغذائي على «اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه»، والمعروف اختصارا بـ(ADHD). وعن ذلك التأثير قالت البروفيسور ديكسون: «استطعنا أن نرصد أن زيادة كمية السكر المكرر في النظام الغذائي تؤدي إلى تفاقم حدة اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وفي المقابل لوحظ أن تناول المزيد من الفواكه والخضراوات الطازجة يكبح جماح ذلك التفاقم».لكن ديكسون استدركت موضحة أنه «ما زالت الدراسات في هذا الاتجاه قليلة نسبيا، كما أن كثيرا منها لا يستمر طويلاً بما يكفي لإظهار تأثيرات طويلة الأجل».واختتمت بالقول: «على الرغم من أهمية الاستنتاجات التحليلية التي استخلصتها دراستنا، فإنه ينبغي التحذير من الاعتقاد العام الشائع الذي مفاده أن النصائح الغذائية المتعلقة بالصحة العقلية تستند إلى أدلة علمية محسومة. فحقيقة الأمر هي أنه ما زال يتعين إجراء دراسات لإثبات حقيقة الأدوار التي يلعبها كل مكون غذائي في التأثير على الصحة العقلية والنفسية سواء سلبياً أو إيجابياً».
مشاركة :