تواجه القوات التركية حرب استنزاف في المناطق التي احتلتها شرق الفرات خلال العملية العسكرية الأخيرة “نبع السلام”. وتكبدت تلك القوات الأربعاء أكبر الخسائر في صفوفها بمقتل 7 جنود، وهي نتيجة مرشحة للارتفاع على ضوء وجود إصابات بعضها خطيرة. ويقول متابعون للشأن السوري إن نسق الهجمات على القوات التركية يشهد تصاعدا مضطردا منذ الشهر الماضي في كل من تل أبيض ورأس العين، وسط عجز أنقرة عن إيجاد سبل لردع مثل تلك الهجمات التي تعتمد أساسا على السيارات المفخخة. وفيما لم تعلن أي جهة عن مسؤوليتها عن تلك الضربات بيد أن تركيا عادة ما توجه أصابع الاتهام لوحدات حماية الشعب أبرز فصيل كردي مسلح بالوقوف خلفها. وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان الخميس عن ارتفاع عدد الجنود الأتراك القتلى إلى 7 عناصر، مشددا على أن هذا العدد قد يرتفع لوجود 7 جرحى بينهم 5 في حالات خطرة. وكانت وزارة الدفاع التركية أصدرت بيانا في وقت سابق قالت فيه إن أربعة من جنودها لقوا مصرعهم في انفجار سيارة ملغومة بشمال شرق سوريا الأربعاء. وأضافت أن الهجوم وقع خلال تفتيش أمني على الطريق، فيما أوضح المرصد السوري أن سيارة مفخخة استهدفت حاجزا للقوات التركية عند محطة وقود في قرية أم عشبة بريف رأس العين. من جهة ثانية أشار المرصد إلى مقتل 6 عناصر من الميليشيات السورية الموالية لتركيا الأربعاء جراء انفجار سيارة مفخخة عند حاجز في قرية الأربعين بريف رأس العين أيضا. وهجوم “أم عشبة” هو رابع تفجير يستهدف الجنود الأتراك منذ مطلع الشهر الجاري، وتشكل حصيلة القتلى في هذا الهجوم الأعلى للجيش التركي في ضربة واحدة ليس فقط منذ بدء عملية “نبع السلام”، بل منذ دخول القوات التركية الأراضي السورية ومشاركتها بالعمليات العسكرية في العام 2015. وجدير بالذكر أن جنديا تركيا لقي حتفه الثلاثاء متأثرا بجروح أصيب بها جراء انفجار وقع في 29 ديسمبر الماضي في مدينة تل أبيض. وشن الجيش التركي في 9 أكتوبر الماضي عملية عسكرية أطلق عليها “نبع السلام” تستهدف الوجود الكردي في منطقة شرق نهر الفرات شمال سوريا، وهي ثالث عملية تشنها أنقرة بشكل مباشر في أراضي البلد المجاور، حيث سبق وأن قامت بعملية في العام 2018 احتلت خلالها مدينة عفرين التابعة إداريا لمحافظة حلب والتي تقطنها غالبية كردية، وقبلها قامت أنقرة في العام 2015 بعملية أطلقت عليها “درع الفرات” انتزعت خلالها الباب وجرابلس بغرض قطع الطريق عما تعتبره التهديد الكردي. وفي الـ17 من شهر أكتوبر، علق الجيش التركي عملية “نبع السلام” بعد توصل أنقرة وواشنطن إلى اتفاق هدنة يقضي بانسحاب وحدات حماية الشعب الكردي من المنطقة، أعقبه اتفاق أكثر شمولا مع موسكو في مدينة سوتشي الروسية في الـ22 من الشهر ذاته، نص على استعادة الجيش السوري سيطرته على مناطق في شرق الفرات مع انسحاب القوات الكردية إلى عمق 32 كلم فيما تبقي أنقرة سيطرتها على المناطق التي احتلتها أي رأس العين وتل أبيض. ولطالما أعربت تركيا عن قلقها لجهة عدم تنفيذ نص الاتفاق بالكامل، معتبرة أن المقاتلين الأكراد لا يزالون ينشطون بكثافة في تلك الأنحاء. ويرجح محللون بدورهم وقوف وحدات حماية الشعب الكردي خلف الهجمات المتصاعدة التي تتعرض لها القوات التركية، خاصة بعد أن استعاد التنظيم الكردي انتعاشته وتعززت معنوياته على وقع استئناف الولايات المتحدة دعمها المهم له. وكانت واشنطن قد اتخذت قرارا كان بوقع “الصفعة” للأكراد، حينما قررت على خلفية الهجوم التركي الانسحاب من عدة مناطق منها نقاط تماس على الحدود السورية التركية ما شجع نظام الرئيس رجب طيب أردوغان على المضي قدما في مشروع احتلاله لذلك الجزء من سوريا. ومنذ بداية ديسمبر الماضي لوحظت عودة متدرجة للقوات الأميركية، مع استئناف الدعم الكامل للوحدات الكردية التي تشكل عصب قوات سوريا الديمقراطية التي شكلتها الولايات المتحدة في العام 2014 لمقارعة تنظيم الدولة الإسلامية. وعلى خلفية الهجوم الصاروخي الأميركي الذي استهدف الجمعة الماضية أحد أبرز رجالات إيران ومهندس نشاطاتها العسكرية قاسم سليماني في العاصمة العراقية بغداد، عززت واشنطن من وجودها شرق الفرات مع إدخال مساعدات عسكرية نوعية للوحدات الكردية في خطوة عدت استباقية خشية تعرض قواتها في شمال سوريا وشرقها لهجمات تقودها ميليشيات إيرانية. ويعتبر محللون أن الأكراد أحد أبرز المستفيدين من مقتل سليماني وتداعياته، حيث أن واشنطن باتت تراهن على دورهم في سياق التصعيد مع إيران على أراضي سوريا، وسيحاول الأكراد جاهدين استثمار هذا الوضع في مواجهتهم مع تركيا. وكشفت مصادر محلية أن الولايات المتحدة، أرسلت الخميس تعزيزات عسكرية ولوجستية إلى قواعدها شرقي سوريا. وذكرت المصادر أن قافلة أميركية مكونة من مئة وأربعين شاحنة دخلت مساء الأربعاء، عبر معبر “الوليد” الحدودي مع العراق، ووصلت حقول “جبسة” قرب مدينة الشدادي جنوبي محافظة الحسكة. وأوضحت المصادر أن القافلة حملت سيارات رباعية الدفع وآلات حفر وبناء، كما ضمت شاحنات مغلقة يعتقد أنها تحمل ذخائر. وأضافت أن 9 عربات مدرعة والعشرات من الجنود الأميركيين خرجوا الثلاثاء من قاعدتهم بالقرب من بلدة تل بيدر شمال غربي الحسكة، ووصلوا إلى القاعدة الأميركية في حقل “العمر” النفطي بريف دير الزور شرقي سوريا. وبالتوازي مع عودة الانتشار الأميركي في شمال وشرق سوريا تحاول واشنطن إرسال رسائل طمأنة للجانب التركي الذي ينظر بقلق شديد إلى هذه العودة، خاصة لجهة ما سيمثله من جرعة دعم قوية “للعدو” الكردي. وبدأ المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، الخميس زيارة إلى تركيا يتلقي خلالها كبار المسؤولين الأتراك وبعضا من المعارضة السورية. وذكر بيان وزارة الخارجية الأميركية أن جيفري سيبحث خلال زيارته مسألة تنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 المتعلق بسوريا.
مشاركة :