العلماء يقتربون من فك رموز متلازمة الإرهاق المزمن

  • 1/10/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يقول العلماء إنهم اقتربوا من معرفة كيفية تأثير متلازمة الإرهاق المزمن على توازن النشاط البدني وطرق التعامل مع الأعراض للتقليص من حدتها. ورغم ذلك يؤكدون أنه لا وجود، حتى اليوم، لأي اختبار لتأكيد تشخيص الإصابة بهذه المتلازمة. وأوضحوا أن الأمر قد يتطلب إجراء مجموعة من الاختبارات الطبية لاستبعاد مشكلات صحية أخرى تتسم بالأعراض ذاتها. ويركز علاج متلازمة التعب الشديد على التخلص من الأعراض. في أحدث الدراسات المتعلقة بهذا المرض، قام الباحثون بتحليل حالات مجموعة من المتطوعين ومراقبة نسق النشاط البدني لديهم للتعرف على السبب الحقيقي وراء تراجع جهدهم بسرعة. وتركّز عمل علماء مركز الأبحاث الأميركي “ذي ناشيونال أنستيتيوتس أوف هيلث”(National Institute Of Health) على دفع المشاركين نحو بذل أقصى قدر لهم من الطاقة والجهد. وكان من بين المتطوعين المشاركين في الدراسة، الرياضي الأميركي زاك أولت. وبعد تجربة ناهزت الأسبوعين، قال أولت الذي يبلغ من العمر 36 عاما وهو من بادوكا بولاية كنتاكي، إنه حاول تجاوز حدود طاقته وإنه كان يضع نفسه “على حافة الهوة في كل مرة”. ومثل العديد من المرضى، أصيب أولت بعدوى فيروسية، في عام 2017. كان آنذاك يتدرب من أجل المشاركة في الماراثون، لكن بعد فترة قصيرة من التعافي، حاول استئناف الركض ولم يستطع. وقدم له الأطباء، بعد أشهر من الفحوص، تفسيرات كثيرة عن سبب إصابته. وخلال التجربة، قال المعالج الطبيعي، بارت ديسكارد، لأولت وهو يصعد على دراجة التمرين، “اذهب إلى أقصى حد ممكن، واعمل بجد قدر الإمكان”. تستخدم الخلايا وخاصة المصانع الصغيرة داخل الخلايا التي تسمى الميتوكوندريا، الأكسجين والمواد المغذية لتوليد الطاقة. أثناء استخدام أولت للدواسات، يمكن للعلماء قياس كيفية استخدام عضلات ساقه للأكسجين ومعرفة ما إذا كان مختلفا عن الشخص السليم. بعد ذلك، وضع الأطباء غطاء خاصا على رأسه لتتبع النشاط الكهربائي في دماغه، ثم أرسلوه لقضاء الليل في غرفة محكمة الغلق. وتقوم الأنابيب بإخراج هواء الغرفة للتحليل. يوضح مقدار الأكسجين المستخدم وإنتاج ثاني أكسيد الكربون مقدار الطاقة التي يستخدمها أولت، في كل دقيقة. وقال كونغ تشن، أحد أخصائيي التمثيل الغذائي في المعهد القومي للصحة، “يمكننا حساب كل جزيء. إنه أنظف هواء لدينا في المستشفى. نحن نتعرف على كيفية ضبط جسمه لتحمل التمرينات أو عبء الإجهاد”. وفي النهاية قال الباحثون إن الدراسة لا تقدم علاجات لكن الأمل لا يزال قائما في العثور على خصائص يمكن العمل على تطويرها. لكن أولت قال إن التجربة ساعدته في التعرف على المرض وإيجاد حيل للحفاظ أكثر على طاقته ونسق إيقاع جهده. وكل ذلك يدفع باتجاه الحفاظ على صحته وتقليص الآثار السلبية قدر الإمكان. وأضاف “من الصعب عدم معرفة ما إذا كنت سأتعافى أو متى، طالما لم تعثر الأبحاث على إجابة بعدُ ونقلا عن موقع دويتشه فيله الألماني، تقول كارمن شايبنبوغن، رئيسة قسم أمراض المناعة في مستشفى شاريتيه في برلين، المريض المثالي لمتلازمة التعب المزمن، هو شاب كان يتمتع بصحة جيدة، وبعد إصابته بعدوى فيروس، يشعر بأعراض تشبه أعراض الزكام، حيث يشعر بآلام في الرأس والعضلات والمفاصل، ويحدث لديه اضطراب في النوم ولا يستطيع التركيز جيدا. وباختصار لا يستعيد صحته وعافيته ويبقى مريضا وتزداد لديه أعراض التعب الشديد والشعور بالإرهاق النفسي والجسدي. وفي حالة الإصابة الشديدة وتدهور صحة المريض، فإنه يبقى ملازما الفراش ولمدة طويلة جدا، طوال فترة الإصابة. وأضافت شايبنبوغن “إننا لا نعرف بعد الأسباب الدقيقة”، ولكنها ترى متلازمة الإرهاق المزمن كنوع من أمراض المناعة الذاتية ورد فعل دائم للجهاز المناعي على أعراض مرضية. وتؤكد دراسة أخرى نشرت في “ساينس أدفانسيز” العلمية الأميركية أجراها باحثون بجامعة كولومبيا في نيويورك، ذلك عندما توصلت إلى أن متلازمة الإرهاق المزمن هي رد فعل خاطئ لجهاز المناعة على عدوى فيروس، الذي بدّل إنجاز مهمته الدفاعية والتحكم في توقفها، ليبقى في حالة نشاط دائم. وقال الدكتور والتر كوروشيتز، مدير المعهد الوطني للصحة العصبية والسكتة الدماغية، الذي يقود البحث، “إن الجهل بملامح المرض الدقيقة يقلص إلى حدّ كبير ما نعرفه عنه”. وبعد انتقاد ندرة البحوث المتعلقة بمتلازمة الإرهاق المزمن، ضاعف مركز الأبحاث الأميركي تمويلاته إلى أكثر من 14 مليون دولار لدفع العلماء إلى كشف بيولوجيا المتلازمة. لكن يظل تنوع الأعراض الشديد جزءا كبيرا من المشكلة لأن المقارنة بين المرضى صعبة. وتستعد مبادرة “سولف سي.أف.أس” لفتح سجل يساعد المرضى على إرسال المعلومات الطبية وعينات من الدم واللعاب لمساعدة العلماء على توسيع نطاق البحوث. وبعد عقود من الاعتراف به لأول مرة، لا توجد طريقة للتنبؤ بالذين سيتماثلون للشفاء والذين ستتفاقم حالتهم وتصل إلى مرحلة المعاناة من الوهن، من شدة ارتباطهم بالسرير لسنوات طويلة. كما تشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 2.5 مليون أميركي لديهم ما يُعرف بمتلازمة الإرهاق المزمن. ومن السمات المميزة لهذا الاضطراب هو الشعور بالتعب الشديد الذي يدوم أكثر من ستة أشهر. ومن بين الأعراض المرافقة الأخرى فقدان الذاكرة أو التركيز والتهاب الحلق وتضخم العقد اللمفاوية في العنق أو الإبطين والشعور بآلام العضلات أو المفاصل غير المبررة والصداع والنوم الذي لا يخلّف انتعاشا. ويميل المرضى أيضا إلى صعوبة البقاء في وضع مستقيم أو الإصابة باضطراب في الإدراك غالبا ما يوصف بأنه “ضباب في المخ”. ويقول علماء في الولايات المتحدة إنهم اتخذوا خطوة باتجاه تطوير فحص تشخيصي لمتلازمة الإرهاق المزمن. وقال الباحثون في كلية الطب بجامعة ستانفورد إن دراسة رائدة شملت 40 شخصا نصفهم أصحاء ونصفهم الآخر يعاني من أعراض هذه المتلازمة أظهرت أن الفحص الجاري تطويره للعلامات البيولوجية حدد المرضى بشكل صحيح. وتشير التقديرات إلى أن متلازمة الإرهاق المزمن، المعروفة أيضا باسم التهاب الدماغ النخاعي العضلي، تصيب نحو 17 مليونا على مستوى العالم. وشمل البحث الذي نشر في نشرة بروسيدينجز التي تصدرها الأكاديمية الوطنية للعلوم تحليل عينات دم المتطوعين باستخدام مقياس فحص نانو إلكتروني يقيس التغير في كميات صغيرة من الطاقة كدليل على صحة الخلايا المناعية وبلازما الدم. وقام العلماء “بإجهاد” عينات الدم بالملح ثم مقارنة الاستجابات. وقالوا إن النتيجة أظهرت أن عينات دم جميع المصابين بمتلازمة الإرهاق المزمن شهدت ارتفاعا كبيرا على المقياس، أما عينات الأصحاء فظلت مستقرة نسبيا. وقال رون ديفيس أستاذ الكيمياء العضوية والجينات الوراثية أحد كبيري الباحثين في الدراسة “لا نعرف بالتحديد لماذا تتصرف الخلايا والبلازما بهذا الشكل ولا نعرف حتى ماذا تفعل”. وأضاف “لكننا نلاحظ اختلافا واضحا في طريقة تعامل خلايا الأصحاء وخلايا المرضى بمتلازمة الإرهاق المزمن مع الإجهاد”. بعد عقود من الاعتراف به لأول مرة، لا توجد طريقة للتكهن بمن سيتماثلون للشفاء ومن ستتفاقم حالتهم وحذر خبراء آخرون لم يشاركوا بشكل مباشر في هذه الدراسة من أن نتائجها تظهر أن الطريق ما زال طويلا للتوصل إلى مقياس يمكنه تشخيص الإرهاق المزمن والتفرقة بينه وبين أعراض مماثلة أخرى. وقال سايمون وسيلي رئيس قسم الطب النفسي في معهد لندن للطب النفسي وعلم النفس والأعصاب بكلية كينغ بجامعة لندن إن الدراسة هي الأحدث ضمن العديد من المحاولات للتوصل إلى مقياس لمتلازمة الإرهاق المزمن لكنها لم تتمكن من حل مشكلتين رئيسيتين. وقال في تعليق أرسله بالبريد الإلكتروني “الأولى هي هل يمكن لأي مقياس أن يفرق بين مرضى متلازمة الإرهاق المزمن أو أي أعراض إجهاد أخرى؟ والثانية هل يقيس سبب المرض وليس نتيجته؟”. وتابع “هذه الدراسة لا تقدم أي دليل على حل أي من ذلك”. وتشير الطبيبة كارمن شايبنبوغن إلى أنه “غالبا ما تتم معالجة الأعراض التي تظهر على المريض، فإذا كانت هناك إصابة بعدوى فيروس أو خلل في الجهاز المناعي، تتم محاولة المعالجة بشكل دقيق. وقبل كل شيء تتم محاولة توزيع قوى الطاقة المتبقية لدى المريض بشكل متوازن والحفاظ على فترات الراحة والتدرب على التعامل مع حالات الإجهاد بشكل أفضل”. وتضيف محذرة من أنه “في حال تفاقم المرض نتيجة إفراط في طلب يفوق طاقة المريض أو إصابة شديدة بعدوى فيروسي، فإن ذلك يمكن أن يتسبب في تدهور صحته واستمرار المرض لفترة طويلة”. لكن هناك دراسة نرويجية سابقة أجريت حول هذا المرض شارك فيها 16 مريضا، تمت معالجتهم بـ”ريتوكسماب” وهو جسم مضاد وحيد النسيلة مجانس مضاد للبروتين “سي.دي 20” الموجود بصورة رئيسية على سطح الخلايا البائية، ويستخدم في علاج الأمراض التي تتميز بارتفاع عدد الخلايا البائية أو تكون فيها الخلايا البائية مفرطة في الفعالية أو تكون مختلة المفعول. وهذا يشتمل على العديد من الأورام اللمفاوية وابيضاض الدم ورفض الطعام وأمراض المناعة الذاتية. النتيجة كانت مبشرة وتبعث على الأمل والتفاؤل، إذ أن “10 من المرضى تحسنت حالتهم بشكل ملحوظ، ولكن ظهرت أعراض جانبية ملفتة لدى بعضهم”. ويأمل الباحثون أن تسفر دراساتهم وتجاربهم عن دواء وطريقة علاج فعالة تنهي معاناة المرضى وتساعدهم في العودة إلى ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي وهم يتمتعون بالصحة والعافية.

مشاركة :